[ ص: 13 ] ( سورة الأعراف )
مكية إلا من آية : 163 إلى غاية آية 170 ، فمدنية
وآياتها 206 نزلت بعد ص
بسم الله الرحمن الرحيم
(
المص كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين )
بسم الله الرحمن الرحيم
(
المص كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين )
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : (
المص ) أنا الله أفصل ، وعنه أيضا : أنا الله أعلم وأفصل ، قال
الواحدي : وعلى هذا التفسير فهذه الحروف واقعة في موضع جمل ، والجمل إذا كانت ابتداء وخبرا فقط لا موضع لها من الإعراب ، فقوله : أنا الله أعلم ، لا موضع لها من الإعراب ، فقوله : "أنا" مبتدأ وخبره قوله : "الله" وقوله : "أعلم" خبر بعد خبر ، وإذا كان المعنى (
المص ) أنا الله أعلم كان إعرابها كإعراب الشيء الذي هو تأويل لها ، وقال
السدي : (
المص ) على هجاء قولنا في أسماء الله تعالى : إنه المصور . قال القاضي : ليس هذا اللفظ على قولنا : أنا الله أفصل ، أولى من حمله على قوله : أنا الله أصلح ، أنا الله أمتحن ، أنا الله الملك ؛ لأنه إن كانت العبرة بحرف الصاد فهو موجود في قولنا : أنا الله أصلح ، وإن كانت العبرة بحرف الميم ، فكما أنه موجود في العلم فهو أيضا موجود في الملك والامتحان ، فكان حمل قولنا : (
المص ) على ذلك المعنى بعينه محض التحكم ، وأيضا فإن جاء تفسير الألفاظ بناء على ما فيها من الحروف من غير أن تكون تلك اللفظة موضوعة في اللغة لذلك المعنى ، انفتحت طريقة
الباطنية في تفسير سائر ألفاظ القرآن بما يشاكل هذا الطريق .
وأما قول بعضهم : إنه من أسماء الله تعالى فأبعد ، لأنه ليس جعله اسما لله تعالى ، أولى من جعله اسما لبعض رسله من الملائكة أو الأنبياء ؛ لأن الاسم إنما يصير اسما للمسمى بواسطة الوضع والاصطلاح ، وذلك مفقود ههنا ، بل الحق أن
قوله : ( المص ) اسم لقب لهذه السورة ، وأسماء الألقاب لا تفيد فائدة في
[ ص: 14 ] المسميات ، بل هي قائمة مقام الإشارات ، ولله تعالى أن يسمي هذه السورة بقوله : (
المص ) كما أن الواحد منا إذا حدث له ولد ، فإنه يسميه بمحمد .
إذا عرفت هذا فنقول : قوله : (
المص ) مبتدأ ، وقوله : (
كتاب ) خبره ، وقوله : (
أنزل إليك ) صفة لذلك الخبر . أي السورة المسماة بقولنا : (
المص كتاب أنزل إليك ) .
فإن قيل : الدليل الذي دل على صحة نبوة -
محمد صلى الله عليه وسلم- هو أن الله تعالى خصه بإنزال هذا القرآن عليه ، فما لم نعرف هذا المعنى لا يمكننا أن نعرف نبوته ، وما لم نعرف نبوته ، لا يمكننا أن نحتج بقوله . فلو أثبتنا كون هذه السورة نازلة عليه من عند الله بقوله ؛ لزم الدور .
قلنا : نحن بمحض العقل نعلم أن هذه السورة كتاب أنزل إليه من عند الله . والدليل عليه أنه عليه الصلاة والسلام ما تلمذ لأستاذ ، ولا تعلم من معلم ، ولا طالع كتابا ، ولم يخالط العلماء والشعراء وأهل الأخبار ، وانقضى من عمره أربعون سنة ، ولم يتفق له شيء من هذه الأحوال ، ثم بعد انقضاء الأربعين ظهر عليه هذا الكتاب العزيز المشتمل على علوم الأولين والآخرين ، وصريح العقل يشهد بأن هذا لا يكون إلا بطريق الوحي من عند الله تعالى .
فثبت بهذا الدليل العقلي أن (
المص ) كتاب أنزل على -
محمد صلى الله عليه وسلم- من عند ربه وإلهه .
المسألة الثانية : احتج
القائلون بخلق القرآن بقوله : (
كتاب أنزل إليك ) قالوا : إنه تعالى وصفه بكونه منزلا ، والإنزال يقتضي الانتقال من حال إلى حال ، وذلك لا يليق بالقديم ، فدل على أنه محدث .
وجوابه : إن الموصوف بالإنزال والتنزيل على سبيل المجاز هو هذه الحروف ولا نزاع في كونها محدثة مخلوقة . والله أعلم .
فإن قيل : فهب أن المراد منه الحروف ، إلا أن الحروف أعراض غير باقية بدليل أنها متوالية ، وكونها متوالية يشعر بعدم بقائها ، وإذا كان كذلك فالعرض الذي لا يبقى زمانين كيف يعقل وصفه بالنزول .
والجواب : أنه تعالى أحدث هذه الرقوم والنقوش في اللوح المحفوظ ، ثم إن الملك يطالع تلك النقوش ، وينزل من السماء إلى الأرض ، ويعلم
محمدا تلك الحروف والكلمات ، فكان المراد بكون تلك الحروف نازلة ، هو أن مبلغها نزل من السماء إلى الأرض بها .
المسألة الثالثة : الذين أثبتوا لله مكانا تمسكوا بهذه الآية فقالوا : إن كلمة "من" لابتداء الغاية ، وكلمة "إلى" لانتهاء الغاية فقوله : (
أنزل إليك ) يقتضي حصول مسافة مبدؤها هو الله تعالى وغايتها
محمد ، وذلك يدل على أنه تعالى مختص بجهة فوق ، لأن النزول هو الانتقال من فوق إلى أسفل .
وجوابه : لما ثبت بالدلائل القاهرة أن
المكان والجهة على الله تعالى محال وجب حمله على التأويل الذي ذكرناه ، وهو أن الملك انتقل به من العلو إلى أسفل .