(
قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين )
قوله سبحانه وتعالى : (
قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين ) .
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن هذه الآية تدل على أنه تعالى لما أمر الملائكة بالسجود . فإن ذلك الأمر قد تناول إبليس ، وظاهر هذا يدل على أن إبليس كان من الملائكة ، إلا أن الدلائل التي ذكرناها تدل على أن الأمر ليس كذلك . وأما الاستثناء فقد أجبنا عنه في سورة البقرة .
المسألة الثانية : ظاهر الآية يقتضي
أنه تعالى طلب من إبليس ما منعه من ترك السجود ، وليس الأمر كذلك . فإن المقصود طلب ما منعه من السجود ، ولهذا الإشكال حصل في الآية قولان :
القول الأول : وهو المشهور أن
كلمة ( لا ) صلة زائدة ، والتقدير : ما منعك أن تسجد ؟ ! وله نظائر في القرآن كقوله : (
لا أقسم بيوم القيامة ) ( القيامة : 1 ) معناه : أقسم . وقوله : (
وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون ) ( الأنبياء : 95 ) أي يرجعون . وقوله : (
لئلا يعلم أهل الكتاب ) أي : ليعلم أهل الكتاب . وهذا قول
الكسائي ،
والفراء ،
والزجاج ، والأكثرين .
والقول الثاني : إن كلمة ( لا ) ههنا مفيدة وليست لغوا ، وهذا هو الصحيح : لأن الحكم بأن كلمة من كتاب الله لغو لا فائدة فيها مشكل صعب ، وعلى هذا القول ففي تأويل الآية وجهان :
الأول : أن يكون التقدير : أي شيء منعك عن ترك السجود ؟ ! ويكون هذا الاستفهام على سبيل الإنكار ، ومعناه : أنه ما منعك عن ترك السجود ؟ ! كقول القائل لمن ضربه ظلما : ما الذي منعك من ضربي ، أدينك ، أم عقلك ، أم حياؤك ؟ ! والمعنى : أنه لم يوجد أحد هذه الأمور ، وما امتنعت من ضربي .
الثاني : قال القاضي : ذكر الله المنع وأراد الداعي فكأنه قال : ما دعاك إلى أن لا تسجد ؟ ! لأن مخالفة أمر الله تعالى حالة عظيمة يتعجب منها ويسأل عن الداعي إليها .