وقوله : (
بما كنتم تعملون ) فيه مسائل :
المسألة الأولى : تعلق من قال : العمل يوجب هذا الجزاء بهذه الآية . فإن الباء في قوله : (
بما كنتم تعملون ) تدل على العلية ، وذلك يدل على أن العمل يوجب هذا الجزاء ، وجوابنا : أنه علة للجزاء لكن بسبب أن الشرع جعله علة له ، لا لأجل أنه لذاته موجب لذلك الجزاء ، والدليل عليه أن نعم الله على العبد لا نهاية لها ، فإذا أتى العبد بشيء من الطاعات وقعت هذه الطاعات في مقابلة تلك النعم السالفة ، فيمتنع أن تصير موجبة للثواب المتأخر .
المسألة الثانية : طعن بعضهم فقال : هذه الآية تدل على أن العبد إنما يدخل الجنة بعمله ، وقوله عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012680لن يدخل أحد الجنة بعمله وإنما يدخلها برحمة الله تعالى وبينهما تناقض ، وجواب ما ذكرنا : أن
العمل لا يوجب دخول الجنة لذاته ، وإنما يوجبه لأجل أن الله تعالى بفضله جعله علامة عليه ومعرفة له ، وأيضا لما كان الموفي للعمل الصالح هو الله تعالى كان دخول الجنة في الحقيقة ليس إلا بفضل الله تعالى .
المسألة الثالثة : قال القاضي : قوله تعالى : (
ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون ) خطاب عام في حق جميع المؤمنين ، وذلك يدل على أن كل
من دخل الجنة فإنما يدخلها بعمله ، وإذا كان الأمر كذلك امتنع قول من يقول : إن الفساق يدخلون الجنة تفضلا من الله تعالى .
إذا ثبت هذا فنقول : وجب أن لا يخرج الفاسق من النار ؛ لأنه لو خرج لكان إما أن يدخل الجنة ، أو لا يدخلها . والثاني باطل بالإجماع ، والأول لا يخلو إما أن يدخل الجنة على سبيل التفضل أو على سبيل الاستحقاق ، والأول باطل ؛ لأنا بينا أن هذه الآية تدل على أن أحدا لا يدخل الجنة بالتفضل .
والثاني أيضا باطل ؛ لأنه لما دخل النار وجب أن يقال : إنه كان مستحقا للعقاب ، فلو أدخل الجنة على سبيل الاستحقاق لزم كونه مستحقا للثواب ، وحينئذ يلزم حصول الجمع بين استحقاق الثواب واستحقاق العقاب وهو محال ؛ لأن الثواب منفعة دائمة خالصة عن شوائب الضرر ، والعقاب مضرة دائمة خالصة عن شوائب المنفعة . والجمع بينهما محال . وإذا كان كذلك كان الجمع بين حصول استحقاقهما محالا .
والجواب : هذا بناء على أن استحقاق الثواب والعقاب لا يجتمعان . وقد بالغنا في إبطال هذا الكلام في سورة البقرة . والله أعلم .