المسألة الثالثة : قوله : " نشرا بين يدي رحمته " فيه فائدتان :
إحداهما : أن قوله " نشرا " أي منشرة متفرقة ، فجزء من أجزاء الريح يذهب يمنة ، وجزء آخر يذهب يسرة ، وكذا القول في سائر الأجزاء ، فإن كل واحد منها يذهب إلى جانب آخر . فنقول : لا شك أن طبيعة الهواء طبيعة واحدة ، ونسبة الأفلاك والأنجم والطبائع إلى كل واحد من الأجزاء التي لا تتجزأ من تلك الريح نسبة واحدة ، فاختصاص بعض أجزاء الريح بالذهاب يمنة والجزء الآخر بالذهاب يسرة وجب أن لا يكون ذلك إلا بتخصيص الفاعل المختار .
والفائدة الثانية في الآية : أن قوله : (
بين يدي رحمته ) أي بين يدي
المطر الذي هو رحمته ، والسبب في حسن هذا المجاز أن اليدين يستعملهما العرب في معنى التقدمة على سبيل المجاز ، يقال : إن الفتن تحدث
[ ص: 115 ] بين يدي الساعة ، يريدون قبيلها ، والسبب في حسن هذا المجاز ، أن يدي الإنسان متقدماته ، فكل ما كان يتقدم شيئا يطلق عليه لفظ اليدين على سبيل المجاز لأجل هذه المشابهة . فلما كانت الرياح تتقدم المطر ، لا جرم عبر عنه بهذا اللفظ .
فإن قيل : فقد نجد المطر ولا تتقدمه الرياح . فنقول : ليس في الآية أن هذا التقدم حاصل في كل الأحوال ، فلم يتوجه السؤال ، وأيضا فيجوز أن تتقدمه هذه الرياح وإن كنا لا نشعر بها .