ثم قال تعالى :(
وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : الذين قالوا المراد من قوله تعالى :(
أولئك بعضهم أولياء بعض ) ولاية الميراث قالوا : هذه الآية ناسخة له ، فإنه تعالى بين أن الإرث كان بسبب النصرة والهجرة ، والآن قد صار ذلك منسوخا فلا يحصل الإرث إلا بسبب القرابة ، وقوله :(
في كتاب الله ) المراد منه السهام المذكورة في سورة النساء ، وأما الذين فسروا تلك الآية بالنصرة والمحبة والتعظيم قالوا : إن تلك الولاية لما كانت محتملة للولاية بسبب الميراث بين الله تعالى في هذه الآية أن
ولاية الإرث إنما تحصل بسبب القرابة ، إلا ما خصه الدليل ، فيكون المقصود من هذا الكلام إزالة هذا الوهم ، وهذا أولى ؛ لأن تكثير النسخ من غير ضرورة ولا حاجة لا يجوز .
المسألة الثانية : تمسك
محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم في كتابه إلى
nindex.php?page=showalam&ids=15337أبي جعفر المنصور بهذه الآية في أن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب فقال : قوله تعالى :(
وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ) يدل على ثبوت الولاية وليس في الآية شيء معين في ثبوت هذه الأولوية ، فوجب حمله على الكل إلا ما خصه الدليل ، وحينئذ يندرج فيه الإمامة ، ولا يجوز أن يقال : إن
أبا بكر كان من أولي الأرحام لما نقل
أنه عليه السلام أعطاه سورة براءة ليبلغها إلى القوم ، ثم بعث عليا خلفه وأمر بأن يكون المبلغ هو علي ، وقال : "لا يؤديها إلا رجل مني " وذلك يدل على أن
أبا بكر ما كان منه ، فهذا هو وجه الاستدلال بهذه الآية .
والجواب : إن صحت هذه الدلالة كان
العباس أولى بالإمامة ؛ لأنه كان أقرب إلى رسول الله من
علي ، وبهذا الوجه أجاب
nindex.php?page=showalam&ids=15337أبو جعفر المنصور عنه .
المسألة الثالثة : تمسك أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله بهذه الآية ، في
توريث ذوي الأرحام ، وأجاب أصحابنا عنه بأن قوله :(
وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ) مجمل في الشيء الذي حصلت فيه هذه الأولوية ، فلما قال :(
في كتاب الله ) كان معناه في الحكم الذي بينه الله في كتابه ، فصارت هذه الأولوية مقيدة بالأحكام التي بينها الله في كتابه ، وتلك الأحكام ليست إلا ميراث العصبات ، فوجب أن يكون المراد من هذا المجمل هو ذلك فقط فلا يتعدى إلى توريث ذوي الأرحام .
ثم قال في ختم السورة :(
إن الله بكل شيء عليم ) والمراد أن هذه الأحكام التي ذكرتها وفصلتها كلها حكمة وصواب وصلاح ، وليس فيها شيء من العبث والباطل ؛ لأن العالم بجميع المعلومات لا يحكم إلا بالصواب ، ونظيره أن الملائكة لما قالوا :(
أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) [ البقرة : 30 ] قال مجيبا لهم :(
إني أعلم ما لا تعلمون ) [البقرة : 30] يعني لما علمتم كوني عالما بكل المعلومات ، فاعلموا أن حكمي يكون منزها عن الغلط كذا ههنا ، والله أعلم .
تم تفسير هذه السورة ولله الحمد والشكر ، كما هو أهله ومستحقه . يوم الأحد في رمضان سنة إحدى
[ ص: 171 ] وستمائة في قرية يقال لها بغدان . ونسأل الله الخلاص من الأهوال وشدة الزمان ، وكيد أهل البغي والخذلان ، إنه الملك الديان . وصلاته وسلامه على حبيب الرحمن ،
محمد المصطفى صاحب المعجزات والبرهان .