(
فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم )
قوله تعالى :(
فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم ) .
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : قال
الليث : يقال سلخت الشهر إذا خرجت منه ، وكشف
أبو الهيثم عن هذا المعنى فقال : يقال : أهللنا هلال شهر كذا ، أي دخلنا فيه ولبسناه ، فنحن نزداد كل ليلة إلى مضي نصفه لباسا منه ، ثم نسلخه عن أنفسنا بعد تكامل النصف منه جزءا ، حتى نسلخه عن أنفسنا ، وأنشد :
إذا ما سلخت الشهر أهللت مثله كفى قاتلا سلخي الشهور وإهلالي
وأقول : تمام البيان فيه أن الزمان محيط بالشيء وظرف له ، كما أن المكان محيط به وظرف له ومكان الشيء عبارة عن السطح الباطن من الجسم الحاوي المماس للسطح الظاهر ، ومن الجسم المحوي فإذا انسلخ الشيء من جلده فقد انفصل من السطح الباطن من ذلك الجلد وذلك السطح ، وهو مكانه في الحقيقة فكذلك إذا تم الشهر فقد انفصل عن إحاطة ذلك الشهر به ، ودخل في شهر آخر ، والسلخ اسم لانفصال الشيء عن مكانه المعين ، فجعل أيضا اسما لانفصاله عن زمانه المعين ، لما بين المكان والزمان من المناسبة التامة الشديدة ، وأما الأشهر الحرم فقد فسرناها في قوله :(
فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ) وهي يوم النحر إلى العاشر من ربيع الآخر ، والمراد من كونها حرما أن الله حرم القتل والقتال فيها ، ثم إنه تعالى عند انقضاء هذه الأشهر الحرم أذن في أربعة أشياء :
أولها : قوله :(
واقتلوهم حيث وجدتموهم ) [النساء : 89] وذلك أمر بقتلهم على الإطلاق ، في أي وقت ، وأي مكان .
وثانيها : قوله :(
وخذوهم ) أي بالأسر ، والأخيذ الأسير .
[ ص: 180 ] وثالثها : قوله :(
واحصروهم ) معنى الحصر المنع من الخروج من محيط ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : يريد إن تحصنوا فاحصروهم ، وقال
الفراء : حصرهم أن يمنعوا من
البيت الحرام .
ورابعها :
قوله تعالى :( واقعدوا لهم كل مرصد ) والمرصد الموضع الذي يرقب فيه العدو من قولهم : رصدت فلانا أرصده إذا ترقبته ، قال المفسرون : المعنى اقعدوا لهم على كل طريق يأخذون فيه إلى البيت أو إلى الصحراء أو إلى التجارة ، قال
الأخفش : في الكلام محذوف والتقدير : اقعدوا لهم على كل مرصد .