[ ص: 95 ] (
يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين )
قوله تعالى :(
يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين ) .
اعلم أن هذا نوع آخر من
قبائح أفعال المنافقين ، وهو إقدامهم على اليمين الكاذبة . قيل : هذا بناء على ما تقدم ، يعني : يؤذون النبي ويسيئون القول فيه ، ثم يحلفون لكم . وقيل : نزلت في رهط من المنافقين تخلفوا عن غزوة
تبوك ، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
المدينة أتوه واعتذروا وحلفوا ، ففيهم نزلت الآية ، والمعنى : أنهم حلفوا على أنهم ما قالوا ما حكي عنهم ، ليرضوا المؤمنين بيمينهم ، وكان من الواجب أن يرضوا الله بالإخلاص والتوبة ، لا بإظهار ما يستسرون خلافه ، ونظيره قوله :(
وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ) [ البقرة : 14 و76 ] .
وأما قوله :(
يرضوه ) بعد تقدم ذكر الله وذكر الرسول ففيه وجوه :
الأول : أنه تعالى لا يذكر مع غيره بالذكر المجمل ، بل يجب أن يفرد بالذكر ؛ تعظيما له .
والثاني : أن
المقصود بجميع الطاعات والعبادات هو الله ، فاقتصر على ذكره .
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012844ويروى أن واحدا من الكفار رفع صوته ، وقال : إني أتوب إلى الله ولا أتوب إلى محمد ، فسمع الرسول عليه السلام ذلك وقال : " وضع الحق في أهله " .
الثالث : يجوز أن يكون المراد يرضوهما فاكتفى بذكر الواحد ؛ كقوله :
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف
والرابع : أن
العالم بالأسرار والضمائر هو الله تعالى ، وإخلاص القلب لا يعلمه إلا الله ؛ فلهذا السبب خص تعالى نفسه بالذكر . الخامس : لما وجب أن يكون رضا الرسول مطابقا لرضا الله تعالى ، وامتنع حصول المخالفة بينهما وقع الاكتفاء بذكر أحدهما ، كما يقال : إحسان زيد وإجماله نعشني وجبرني . السادس : التقدير : والله أحق أن يرضوه ورسوله كذلك .
وقوله :(
إن كانوا مؤمنين ) فيه قولان : الأول : إن كانوا مؤمنين على ما ادعوا . والثاني : أنهم كانوا عالمين بصحة دين الرسول ، إلا أنهم أصروا على الكفر ؛ حسدا وعنادا ، فلهذا المعنى قال تعالى :(
إن كانوا مؤمنين ) . وفي الآية دلالة على
رضا الله لا يحصل بإظهار الإيمان ، ما لم يقترن به التصديق بالقلب ، ويبطل قول
الكرامية الذين يزعمون أن الإيمان ليس إلا القول باللسان .