الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى :( ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم ) .

                                                                                                                                                                                                                                            اعلم أن المقصود من هذه الآية أيضا شرح أحوال المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك ، وفي الآية مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قال أهل المعاني : قوله : " ألم تعلم " خطاب لمن حاول الإنسان تعليمه مدة وبالغ في ذلك التعليم ، ثم إنه لم يعلم ، فيقال له : ألم تعلم بعد هذه الساعات الطويلة والمدة المديدة ؟ [ ص: 96 ] وإنما حسن ذلك لأنه طال مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم ، وكثرت نهاياته للتحذير عن معصية الله والترغيب في طاعته ، فالضمير في قوله :( أنه من يحادد الله ) ضمير الأمر والشأن ، والمعنى : أن الأمر والشأن كذا وكذا . والفائدة في هذا الضمير هو أنه لو ذكر بعد كلمة " أن " ذلك المبتدأ والخبر لم يكن له كثير وقع . فأما إذا قلت : الأمر والشأن كذا وكذا أوجب مزيد تعظيم وتهويل لذلك الكلام . وقوله :( من يحادد الله ) قال الليث : حاددته أي : خالفته ، والمحاددة كالمجانبة والمعاداة والمخالفة ، واشتقاقه من الحد ، ومعنى حاد فلان فلانا ، أي : صار في حد غير حده ، كقوله : شاقه أي : صار في شق غير شقه ، ومعنى :( يحادد الله ) أي : يصير في حد غير حد أولياء الله بالمخالفة . وقال أبو مسلم : المحادة مأخوذة من الحديد ؛ حديد السلاح ، ثم للمفسرين ههنا عبارات : يخالف الله ، وقيل : يحارب الله ، وقيل : يعاند الله ، وقيل : يعادي الله .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال :( فأن له نار جهنم ) وفيه وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : التقدير : فحق أن له نار جهنم . الثاني : معناه فله نار جهنم ، وأن تكرر للتوكيد .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : أن نقول : جواب " من " محذوف ، والتقدير : ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله يهلك ؛ فأن له نار جهنم . قال الزجاج : ويجوز كسر " أن " على الاستئناف من بعد الفاء ، والقراءة بالفتح . ونقل الكعبي في " تفسيره " أن القراءة بالكسر موجودة . قال أبو مسلم : جهنم من أسماء النار ، وأهل اللغة يحكون عن العرب : أن البئر البعيدة القعر تسمى الجهنام عندهم ، فجاز في جهنم أن تكون مأخوذة من هذا اللفظ ، ومعنى بعد قعرها أنه لا آخر لعذابها ، والخالد : الدائم ، والخزي قد يكون بمعنى الندم وبمعنى الاستحياء ، والندم هنا أولى ؛ لقوله تعالى :( وأسروا الندامة لما رأوا العذاب ) [ يونس : 54 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية