(
وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون )
[ ص: 149 ]
قوله تعالى :(
وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون )
وفيه مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن هذا الكلام جامع للترغيب والترهيب ، وذلك لأن
المعبود إذا كان لا يعلم أفعال العباد لم ينتفع العبد بفعله ، ولهذا قال
إبراهيم - عليه السلام - لأبيه :(
لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا ) ( مريم : 42 ) وقلت في بعض المجالس ليس المقصود من هذه الحجة التي ذكرها
إبراهيم - عليه السلام - القدح في إلهية الصنم ؛ لأن كل أحد يعلم بالضرورة أنه حجر وخشب وأنه معرض لتصرف المتصرفين ، فمن شاء أحرقه ، ومن شاء كسره ، ومن كان كذلك كيف يتوهم العاقل كونه إلها ؟ بل المقصود أن أكثر عبدة الأصنام كانوا في زمان
إبراهيم - عليه السلام - أتباع الفلاسفة القائلين بأن إله العالم موجب بالذات ، وليس بموجد بالمشيئة والاختيار ، فقال : الموجب بالذات إذا لم يكن عالما بالخيرات ولم يكن قادرا على الإنفاع والإضرار ، ولا يسمع دعاء المحتاجين ولا يرى تضرع المساكين ، فأي فائدة في عبادته ؟ فكان المقصود من دليل
إبراهيم - عليه السلام - الطعن في قول من يقول : إله العالم موجب بالذات . أما إذا كان فاعلا مختارا وكان عالما بالجزئيات فحينئذ يحصل للعباد الفوائد العظيمة ، وذلك لأن العبد إذا أطاع علم المعبود طاعته وقدر على إيصال الثواب إليه في الدنيا والآخرة ، وإن عصاه علم المعبود ذلك ، وقدر على إيصال العقاب إليه في الدنيا والآخرة ، فقوله :(
وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ) ترغيب عظيم للمطيعين ، وترهيب عظيم للمذنبين ، فكأنه تعالى قال : اجتهدوا في المستقبل ، فإن لعملكم في الدنيا حكما وفي الآخرة حكما . أما حكمه في الدنيا فهو أنه يراه الله ويراه الرسول ويراه المسلمون ، فإن كان طاعة حصل منه الثناء العظيم والثواب العظيم في الدنيا والآخرة ، وإن كان معصية حصل منه الذم العظيم في الدنيا والعقاب الشديد في الآخرة . فثبت أن هذه اللفظة الواحدة جامعة لجميع ما يحتاج المرء إليه في دينه ودنياه ومعاشه ومعاده .