الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة السادسة : قوله :( ويأخذ الصدقات ) فيه سؤال : وهو أن ظاهر هذه الآية يدل على أن الآخذ هو الله ، وقوله :( خذ من أموالهم صدقة ) يدل على أن الآخذ هو الرسول - عليه الصلاة والسلام - وقوله عليه السلام لمعاذ : ( خذها من أغنيائهم ) يدل على أن آخذ تلك الصدقات هو معاذ ، وإذا دفعت الصدقة إلى الفقير فالحس يشهد أن آخذها هو الفقير فكيف الجمع بين هذه الألفاظ ؟

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب من وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أنه تعالى لما بين في قوله :( خذ من أموالهم صدقة ) أن الآخذ هو الرسول ، ثم ذكر في هذه الآية أن الآخذ هو الله تعالى ، كان المقصود منه أن أخذ الرسول قائم مقام أخذ الله تعالى ، والمقصود منه التنبيه على تعظيم شأن الرسول من حيث أن أخذه للصدقة جار مجرى أن يأخذها الله ، ونظيره قوله تعالى :( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ) ( الفتح : 10 ) وقوله :( إن الذين يؤذون الله ) ( الأحزاب : 57 ) والمراد منه إيذاء النبي - عليه السلام - .

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب الثاني : أنه أضيف إلى الرسول عليه السلام بمعنى أنه يأمر بأخذها ويبلغ حكم الله في هذه الواقعة إلى الناس ، وأضيف إلى الفقير بمعنى أنه هو الذي يباشر الأخذ ، ونظيره أنه تعالى أضاف التوفي إلى نفسه بقوله تعالى :( وهو الذي يتوفاكم ) ( الأنعام : 60 ) وأضافه إلى ملك الموت ، وهو قوله تعالى :( قل يتوفاكم ملك الموت ) ( السجدة : 11 ) وأضافه إلى الملائكة الذين هم أتباع ملك الموت ، وهو قوله :( حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا ) ( الأنعام : 61 ) فأضيف إلى الله بالخلق وإلى ملك الموت للرياسة في ذلك النوع من العمل ، وإلى أتباع ملك الموت ، يعني أنهم هم الذين يباشرون الأعمال التي عندها يخلق الله الموت ، فكذا ههنا .

                                                                                                                                                                                                                                            إذا عرفت هذا فنقول : قوله :( ويأخذ الصدقات ) تشريف عظيم لهذه الطاعة ، والأخبار فيه كثيرة ، عن النبي - عليه السلام - أنه قال : " إن الله يقبل الصدقة ولا يقبل منها إلا طيبا ، وأنه يقبلها بيمينه ويربيها لصاحبها كما يربي أحدكم مهره أو فصيله حتى أن اللقمة تكون عند الله أعظم من أحد " وقال عليه السلام : " والذي نفس محمد بيده ما من عبد مسلم يتصدق بصدقة فتصل إلى الذي يتصدق بها عليه حتى تقع في كف الله ، ولما روى الحسن هذين الخبرين قال : ويمين الله وكفه وقبضته لا توصف ( ليس كمثله شيء ) ( الشورى : 11 ) واعلم أن لفظ اليمين والكف من التقديس .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية