المسألة الثانية : قوله : (
الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ) يدل على أنه تعالى غير مختص بجهة العلو البتة ، وذلك لأن كل ما سماك وعلاك فهو سماء ، فلو حصل ذات الله تعالى في جهة فوق ، لكان حاصلا في السماء ، وهذه الآية دالة على أن كل ما في السماوات فهو ملكه ، فلزم كونه ملكا لنفسه وهو محال ، فدلت هذه الآية على أنه منزه عن الحصول في جهة فوق.
المسألة الثالثة : احتج أصحابنا بهذه الآية على
أنه تعالى خالق لأعمال العباد ؛ لأنه قال : (
له ما في السماوات وما في الأرض ) وأعمال العباد حاصلة في السماوات والأرض فوجب القول بأن أفعال العباد له بمعنى كونها مملوكة له ، والملك عبارة عن القدرة فوجب كونها مقدورة لله تعالى ، وإذا ثبت أنها مقدورة لله تعالى وجب وقوعها بقدرة الله تعالى ، وإلا لكان العبد قد منع الله تعالى من إيقاع مقدوره ، وذلك محال.
واعلم أن قوله تعالى : (
له ما في السماوات وما في الأرض ) يفيد الحصر ، والمعنى أن ما في السماوات وما في الأرض له لا لغيره ، وذلك يدل على أنه
لا مالك إلا الله ولا حاكم إلا الله ، ثم إنه تعالى لما ذكر ذلك عطف على الكفار بالوعيد ، فقال : (
وويل للكافرين من عذاب شديد ) والمعنى : أنهم لما تركوا عبادة الله تعالى الذي هو المالك للسماوات والأرض ولكل ما فيهما إلى عبادة ما لا يملك ضرا ولا نفعا ويخلق ولا يخلق ، ولا إدراك لها ولا فعل ، فالويل ثم الويل لمن كان كذلك ، وإنما خص هؤلاء بالويل ؛ لأن المعنى : يولولون من عذاب شديد ويصيحون منه ويقولون يا ويلاه. ونظيره قوله تعالى : (
دعوا هنالك ثبورا ) [الفرقان : 13] .