(
ولله غيب السماوات والأرض وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ) .
قوله تعالى : (
ولله غيب السماوات والأرض وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ) .
اعلم أنه تعالى لما ذكر في الآية الأولى مثل الكفار بالأبكم العاجز ، ومثل نفسه بالذي يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ، ومعلوم أنه يمتنع أن يكون آمرا بالعدل ، وأن يكون على صراط مستقيم إلا إذا كان كاملا في العلم والقدرة - ذكر في هذه الآية بيان كونه كاملا في العلم والقدرة ، أما بيان كمال العلم فهو قوله : (
ولله غيب السماوات والأرض ) والمعنى :
علم الله غيب السماوات والأرض ، وأيضا فقوله : (
ولله غيب السماوات والأرض ) يفيد الحصر ، معناه : أن العلم بهذه الغيوب ليس إلا لله ، وأما
بيان كمال القدرة فقوله : (
وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب ) ،
والساعة : هي الوقت الذي تقوم فيه القيامة ، سميت ساعة ؛ لأنها تفجأ الإنسان في ساعة فيموت الخلق بصيحة واحدة ، وقوله : (
إلا كلمح البصر ) اللمح : النظر بسرعة ، يقال : لمحه ببصره لمحا ولمحانا ، والمعنى : وما أمر القيامة في السرعة إلا كطرف العين ، والمراد منه تقرير كمال القدرة ، وقوله : (
أو هو أقرب ) معناه : أن لمح البصر عبارة عن انتقال الجسم المسمى بالطرف من أعلى الحدقة إلى أسفلها ، ولا شك أن الحدقة مؤلفة من أجزاء لا تتجزأ ، فلمح البصر عبارة عن المرور على جملة تلك الأجزاء التي منها تألف سطح الحدقة ، ولا شك أن تلك الأجزاء كثيرة ، والزمان الذي يحصل فيه لمح البصر مركب من آنات متعاقبة ،
والله تعالى قادر على إقامة القيامة في آن واحد من تلك الآنات ؛ فلهذا قال : (
أو هو أقرب ) . إلا أنه لما كان أسرع الأحوال والحوادث في عقولنا وأفكارنا هو لمح البصر - لا جرم ذكره . ثم قال : (
أو هو أقرب ) ؛ تنبيها على ما ذكرناه ، ولا شبهة في أنه ليس المراد طريقة الشك ، بل المراد : بل هو أقرب ، وقال
الزجاج : المراد به الإبهام عن المخاطبين
أنه تعالى يأتي بالساعة إما بقدر لمح البصر أو بما هو أسرع .
قال القاضي : هذا لا يصح ؛ لأن إقامة الساعة ليست حال تكليف حتى يقال : إنه تعالى يأتي بها في زمان ، بل الواجب أن يخلقها دفعة واحدة في وقت واحد ، ويفارق ما ذكرناه في ابتداء خلق السماوات والأرض ؛ لأن تلك الحال حال تكليف ، فلم يمتنع أن يخلقها كذلك لما فيه من مصلحة الملائكة .