المقام الثاني : في البحث عن وقوع المعراج . قال أهل التحقيق : الذي يدل على أنه تعالى أسرى بروح
محمد صلى الله عليه وسلم وجسده من
مكة إلى
المسجد الأقصى - القرآن والخبر ، أما القرآن فهو هذه الآية ، وتقرير الدليل أن العبد اسم لمجموع الجسد والروح ، فوجب أن يكون
الإسراء حاصلا لمجموع الجسد والروح .
واعلم أن هذا الاستدلال موقوف على أن الإنسان هو الروح وحده أو الجسد وحده أو مجموع الجسد والروح ، أما القائلون بأن الإنسان هو الروح وحده ، فقد احتجوا عليه بوجوه :
أحدها : أن الإنسان شيء واحد باق من أول عمره إلى آخره ، والأجزاء البدنية في التبدل والتغير والانتقال ، والباقي غير متبدل ، فالإنسان مغاير لهذا البدن .
وثانيها : أن الإنسان قد يكون عارفا بذاته المخصوصة حال ما يكون غافلا عن جميع أجزائه البدنية ، والمعلوم مغاير للمغفول عنه ، فالإنسان مغاير لهذا البدن .
وثالثها : أن الإنسان يقول بمقتضى فطرته السليمة : يدي ، ورجلي ، ودماغي ، وقلبي ، وكذا القول في سائر الأعضاء ، فيضيف كلها إلى ذاته المخصوصة . والمضاف غير المضاف إليه ، فذاته المخصوصة وجب أن تكون مغايرة لكل هذه الأعضاء .
فإن قالوا : أليس أنه يضيف ذاته إلى نفسه ، فيقول : ذاتي ونفسي ، فيلزمكم أن تكون نفسه مغايرة لذاته ، وهذا محال .
قلنا : نحن لا نتمسك بمجرد اللفظ حتى يلزمنا ما ذكرتموه ، بل إنما نتمسك بمحض العقل ، فإن صريح العقل يدل على أن الإنسان موجود واحد . وذلك الشيء الواحد يأخذ بآلة اليد ، ويبصر بآلة العين ، ويسمع بآلة الأذن . فالإنسان شيء واحد ، وهذه الأعضاء آلات له في هذه الأفعال ، وذلك يدل على أن الإنسان شيء مغاير لهذه الأعضاء والآلات ، فثبت بهذه الوجوه أن الإنسان شيء مغاير لهذه البنية ، ولهذا الجسد .
إذا ثبت هذا فنقول : (
سبحان الذي أسرى بعبده ) المراد من العبد جوهر الروح ، وعلى هذا التقرير فلم