أما قوله
[ ص: 5 ] تعالى : (
يوم ترونها ) فهو منصوب بتذهل ، أي تذهل في ذلك اليوم ، والضمير في ترونها يحتمل أن يرجع إلى الزلزلة وأن يرجع إلى الساعة لتقدم ذكرهما ، والأقرب رجوعه إلى الزلزلة ؛ لأن مشاهدتها هي التي توجب الخوف الشديد . واعلم أنه سبحانه وتعالى ذكر من أهوال ذلك اليوم أمورا ثلاثة .
أحدها : قوله : (
تذهل كل مرضعة عما أرضعت ) أي تذهلها الزلزلة ، والذهول الذهاب عن الأمر مع دهشة ، فإن قيل : لم قال مرضعة دون مرضع ؟ قلت : المرضعة هي التي في حال الإرضاع وهي ملقمة ثديها الصبي ، والمرضع شأنها أن ترضع ، وإن لم تباشر الإرضاع في حال وصفها به ، فقيل : مرضعة ليدل على أن ذلك الهول إذا فوجئت به هذه وقد ألقمت الرضيع ثديها نزعته من فيه لما يلحقها من الدهشة ، وقوله : (
عما أرضعت ) أي عن إرضاعها أو عن الذي أرضعته ، وهو الطفل فتكون ما بمعنى من على هذا التأويل .
وثانيها : قوله : (
وتضع كل ذات حمل حملها ) والمعنى أنها تسقط ولدها لتمام أو لغير تمام من هول ذلك اليوم ، وهذا يدل على أن هذه
الزلزلة إنما تكون قبل البعث ، قال
الحسن : تذهل المرضعة عن ولدها بغير فطام وألقت الحوامل ما في بطونها لغير تمام ، وقال
القفال : يحتمل أن يقال : من ماتت حاملا أو مرضعة تبعث حاملا أو مرضعة تضع حملها من الفزع ، ويحتمل أن يكون المراد من
ذهول المرضعة ووضع الحمل على جهة المثل كما قد تأول قوله : (
يوما يجعل الولدان شيبا ) .