(
ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير )
قوله تعالى : (
ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير ) . وفيه مسائل :
[ ص: 6 ] المسألة الأولى : في كيفية النظم وجهان :
الأول : أخبر تعالى فيما تقدم عن أهوال يوم القيامة وشدتها ، ودعا الناس إلى تقوى الله . ثم بين في هذه الآية قوما من الناس الذين ذكروا في الأول . وأخبر عن مجادلتهم .
الثاني : أنه تعالى بين أنه مع هذا التحذير الشديد بذكر زلزلة الساعة وشدائدها ، فإن
من الناس من يجادل في الله بغير علم ، ثم في قوله : (
ومن الناس ) وجهان :
الأول : أنهم الذين ينكرون البعث ، ويدل عليه قوله : (
أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة ) [ يس : 77 ] إلى آخر الآية . وأيضا فإن ما قبل هذه الآية وصف البعث ، وما بعدها في الدلالة على البعث ، فوجب أن يكون المراد من هذه المجادلة هو المجادلة في البعث .
والثاني : أنها نزلت في
النضر بن الحارث ، كان يكذب بالقرآن ويزعم أنه أساطير الأولين ، ويقول : ما يأتيكم به
محمد كما كنت أحدثكم به عن القرون الماضية ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما .
المسألة الثانية : هذه الآية بمفهومها تدل على جواز
المجادلة الحقة ، لأن تخصيص المجادلة مع عدم العلم بالدلائل يدل على أن المجادلة مع العلم جائزة ، فالمجادلة الباطلة هي المراد من قوله : (
ما ضربوه لك إلا جدلا ) [ الزخرف : 58 ] ، والمجادلة الحقة هي المراد من قوله : (
وجادلهم بالتي هي أحسن ) [ النحل : 125 ] .
المسألة الثالثة : في قوله : (
ويتبع كل شيطان مريد ) قولان : أحدهما : يجوز أن يريد شياطين الإنس وهم رؤساء الكفار الذين يدعون من دونهم إلى الكفر ، والثاني : أن يكون المراد بذلك إبليس وجنوده ، قال
الزجاج : المريد والمارد المرتفع الأملس ، يقال : صخرة مرداء أي ملساء ، ويجوز أن يستعمل في غير الشيطان إذا جاوز حد مثله .
أما قوله : (
كتب عليه ) ففيه وجهان :
أحدهما : أن الكتبة عليه مثل أي كأنما كتب إضلال من عليه ورقم به لظهور ذلك في حاله .
والثاني : كتب عليه في أم الكتاب ، واعلم أن هذه الهاء بعد ذكر من يجادل وبعد ذكر الشيطان ، يحتمل أن يكون راجعا إلى كل واحد منهما ، فإن رجع إلى من يجادل فإنه يرجع إلى لفظه الذي هو موحد ، فكأنه قال : كتب على من يتبع الشيطان أنه من تولى الشيطان أضله عن الجنة وهداه إلى النار . وذلك زجر منه تعالى ، فكأنه تعالى قال : كتب على من هذا حاله أنه يصير أهلا لهذا الوعيد ، فإن رجع إلى الشيطان كان المعنى ويتبع كل شيطان مريد قد كتب عليه أنه من يقبل منه فهو في ضلال . وعلى هذا الوجه أيضا يكون زجرا عن اتباعه ، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : قال
nindex.php?page=showalam&ids=14959القاضي عبد الجبار : إذا قيل المراد بقوله : (
كتب عليه ) قضي عليه فلا جائز أن يرد إلا إلى من يتبع الشيطان ، لأنه تعالى لا يجوز أن يقضي على الشيطان أنه يضل ، ويجوز أن يقضي على من يقبله بقوله قد أضله عن الجنة وهداه إلى النار . قال أصحابنا رحمهم الله : لما كتب ذلك عليه فلو لم يقع لانقلب خبر الله الصدق كذبا ، وذلك محال ومستلزم المحال محال ، فكان لا وقوعه محالا .
المسألة الثانية : دلت الآية على أن
المجادل في الله إن كان لا يعرف الحق فهو مذموم معاقب ، فيدل على أن المعارف ليست ضرورية .
المسألة الثالثة : قال القاضي : فيه دلالة على أن المجادلة في الله ليست من خلق الله تعالى وبإرادته ، وإلا لما كانت مضافة إلى اتباع الشيطان ، وكان لا يصح القول بأن الشيطان يضله بل كان الله تعالى قد أضله .
[ ص: 7 ] والجواب : المعارضة بمسألة العلم وبمسألة الداعي .
المسألة الرابعة : قرئ أنه بالفتح والكسر ، فمن فتح فلأن الأول فاعل كتب والثاني عطف عليه ، ومن كسر فعلى حكاية المكتوب كما هو كأنما كتب عليه هذا الكلام ، كما يقول : كتبت أن الله هو الغني الحميد ، أو على تقدير قيل ، أو على أن كتب فيه معنى القول .