المسألة الثانية : قالت
المعتزلة : الآية دلت على أن الله تعالى لا تجوز رؤيته ؛ لأن
رؤيته لو كانت جائزة لما كان سؤالها عتوا واستكبارا ، قالوا : وقوله : (
لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا ) ليس إلا لأجل سؤال الرؤية ، حتى لو أنهم اقتصروا على نزول الملائكة لما خوطبوا بذلك ، والدليل عليه أن الله تعالى ذكر أمر الرؤية في آية أخرى على حدة ، وذكر الاستعظام ، وهو قوله : (
لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة ) [البقرة : 55] ، وذكر نزول الملائكة على حدة في آية أخرى ، فلم يذكر الاستعظام ، وهو قولهم : (
لولا أنزل علينا الملائكة ) وهل نرى الملائكة ، فثبت بهذا أن الاستكبار والعتو في هذه الآية إنما حصل لأجل سؤال الرؤية .
واعلم أن الكلام على ذلك قد تقدم في سورة البقرة ، والذي نريده ههنا أنا بينا أن قوله (
وقال الذين لا يرجون لقاءنا ) يدل على الرؤية ، وأما الاستكبار والعتو ، فلا يمكن أن يدل ذلك على أن الرؤية مستحيلة ; لأن من طلب شيئا محالا ، لا يقال : إنه عتا واستكبر ، ألا ترى أنهم لما قالوا : (
اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ) لم يثبت لهم بطلب هذا المحال عتوا واستكبارا ، بل قال : (
إنكم قوم تجهلون ) [ الأعراف : 138] بل العتو والاستكبار لا يثبت إلا إذا طلب الإنسان ما لا يليق به ممن فوقه ، أو كان لائقا به ، ولكنه يطلبه على سبيل التعنت . وبالجملة فقد ذكرنا وجوها كثيرة في تحقيق معنى الاستكبار والعتو ، سواء كانت الرؤية ممتنعة أو ممكنة ، ومما يدل عليه أن
موسى لما سأل الرؤية ما وصفه الله تعالى بالاستكبار والعتو ؛ لأنه عليه السلام طلب الرؤية شوقا ، وهؤلاء طلبوها امتحانا وتعنتا ، لا جرم وصفهم بذلك ، فثبت فساد ما قاله
المعتزلة .
المسألة الثالثة : إنما قال (
في أنفسهم ) لأنهم أضمروا
الاستكبار عن الحق ، وهو الكفر والعناد في قلوبهم واعتقدوه ؛ كما قال : (
إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه ) [غافر : 56] وقوله : (
وعتوا عتوا كبيرا ) أي تجاوزوا الحد في الظلم ، يقال : عتا فلان ، وقد وصف العتو بالكبر فبالغ في إفراطه ، يعني أنهم لم يجترئوا على هذا القول العظيم إلا لأنهم بلغوا غاية الاستكبار وأقصى العتو .