المسألة الثانية :
يقال : إن
النظام المتكلم كان يزعم أن
الصوت جسم وأبطلوه بوجوه :
منها أن الأجسام مشتركة في الجسمية وغير مشتركة في الصوت .
ومنها أن الأجسام مبصرة وملموسة أولا وثانيا ، وليس الصوت كذلك .
ومنها أن الجسم باق والصوت ليس كذلك ، وأقول :
النظام كان من أذكياء الناس ، ويبعد أن يكون مذهبه أن الصوت نفس الجسم إلا أنه لما ذهب إلى أن سبب حدوث الصوت تموج الهواء ظن الجهال به أنه يقول إنه عين ذلك الهواء .
المسألة الثالثة :
قال بعضهم :
الصوت اصطكاك الأجسام الصلبة ، وهو باطل : لأن الاصطكاك عبارة عن المماسة وهي مبصرة والصوت ليس كذلك ، وقيل : الصوت نفس القرع أو القلع ، وقيل : إنه تموج الحركة ، وكل ذلك باطل : لأن هذه الأحوال مبصرة ، والصوت غير مبصر ، والله أعلم .
المسألة الرابعة :
قيل سببه القريب تموج الهواء ، ولا نعني بالتموج حركة انتقالية من مبدأ واحد بعينه إلى منتهى واحد بعينه ، بل حالة شبيهة بتموج الهواء فإنه أمر يحدث شيئا فشيئا لصدم بعد صدم وسكون بعد سكون ، وأما سبب التموج فإمساس عنيف وهو القرع ، أو تفريق عنيف وهو القلع ، ويرجع في تحقيق هذا إلى كتبنا العقلية .
المسألة الخامسة :
قال الشيخ الرئيس في
حد الحرف : إنه هيئة عارضة للصوت يتميز بها عن صوت آخر مثله في الخفة والثقل تميزا في المسموع .
المسألة السادسة :
الحروف إما مصوتة ، وهي التي تسمى في النحو
حروف المد واللين ، ولا يمكن الابتداء بها ، أو صامتة وهي ما عداها ، أما المصوتة فلا شك أنها من الهيئات العارضة للصوت ، وأما الصوامت فمنها ما لا يمكن تمديده كالباء والتاء والدال والطاء ، وهي لا توجد إلا في " الآن " الذي هو آخر زمان حبس النفس وأول زمان إرساله ، وهي بالنسبة إلى الصوت كالنقطة بالنسبة إلى الخط ، والآن بالنسبة إلى الزمان ، وهذه الحروف ليست بأصوات ولا عوارض أصوات ، وإنما هي أمور تحدث في مبدأ حدوث الأصوات وتسميتها بالحروف حسنة : لأن الحرف هو الطرف ، وهذه الحروف أطراف الأصوات ومباديها ، ومن الصوامت ما يمكن تمديدها بحسب الظاهر ، ثم هذه على قسمين : منها ما الظن الغالب أنها آنية الوجود في نفس الأمر وإن كانت زمانية بحسب الحس ، مثل الحاء والخاء ، فإن الظن أن هذه جاءت آنية متوالية كل واحد منها آني الوجود في نفس الأمر ، لكن الحس لا يشعر بامتياز بعضها عن بعض فيظنها حرفا واحدا زمانيا ، ومنها ما الظن الغالب كونها زمانية في الحقيقة كالسين والشين ، فإنها هيئات عارضة للصوت مستمرة باستمراره .
[ ص: 36 ]