(
ولله ملك السموات والأرض ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين )
قوله تعالى : (
ولله ملك السماوات والأرض ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين ) .
واعلم أنه تعالى لما احتج بكونه قادرا على الإحياء في المرة الأولى ، وعلى كونه قادرا على الإحياء في المرة الثانية في الآيات المتقدمة عمم الدليل فقال : (
ولله ملك السماوات والأرض ) أي
لله القدرة على جميع الممكنات سواء كانت من السماوات أو من الأرض ، وإذا ثبت كونه تعالى قادرا على كل الممكنات ، وثبت أن حصول الحياة في هذه الذات ممكن ، إذ لو لم يكن ممكنا لما حصل في المرة الأولى ; فيلزم من هاتين المقدمتين كونه تعالى قادرا على الإحياء في المرة الثانية .
ولما بين تعالى إمكان القول بالحشر والنشر بهذين الطريقين ذكر تفاصيل
أحوال القيامة فأولها : قوله تعالى : (
ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون ) ، وفيه أبحاث :
البحث الأول : عامل النصب في يوم تقوم يخسر ، ويومئذ بدل من يوم تقوم .
البحث الثاني : قد ذكرنا في مواضع من هذا الكتاب أن الحياة والعقل والصحة كأنها رأس المال ، والتصرف فيها لطلب سعادة الآخر يجري مجرى تصرف التاجر في رأس المال لطلب الربح ، والكفار قد أتعبوا أنفسهم في هذه التصرفات وما وجدوا منها إلا الحرمان والخذلان فكان ذلك في الحقيقة نهاية الخسران .
وثانيها : قوله تعالى : (
وترى كل أمة جاثية ) قال
الليث : الجثو الجلوس على الركب ، كما يجثي بين يدي الحاكم ، قال
الزجاج : ومثله جذا يجذو ، قال صاحب “ الكشاف “ : وقرئ جاذية ، قال أهل اللغة : والجذو أشد استيفازا من الجثو ، لأن الجاذي هو الذي يجلس على أطراف أصابعه ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : جاثية مجتمعة مرتقبة لما يعمل بها .
ثم قال تعالى : (
كل أمة تدعى إلى كتابها ) على الابتداء ، وكل أمة على الإبدال من كل أمة ، وقوله : (
إلى كتابها ) أي إلى صحائف أعمالها ، فاكتفى باسم الجنس كقوله تعالى : (
ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه )
[ ص: 234 ] [ الكهف : 49 ] ، والظاهر أنه يدخل فيه المؤمنون والكافرون لقوله تعالى بعد ذلك : (
فأما الذين آمنوا ) .
ثم قال تعالى : (
وأما الذين كفروا ) فإن قيل : الجثو على الركبة إنما يليق بالخائف والمؤمنون لا خوف عليهم يوم القيامة ، قلنا : إن المحق الآمن قد يشارك المبطل في مثل هذه الحالة إلى أن يظهر كونه محقا .
ثم قال تعالى : (
اليوم تجزون ) والتقدير : يقال لهم : اليوم تجزون ، فإن قيل : كيف أضيف الكتاب إليهم وإلى الله تعالى ؟ قلنا : لا منافاة بين الأمرين لأنه كتابهم بمعنى أنه الكتاب المشتمل على أعمالهم ، وكتاب الله بمعنى أنه هو الذي أمر الملائكة بكتبه ، (
ينطق عليكم ) أي يشهد عليكم بما عملتم من غير زيادة ولا نقصان ، (
إنا كنا نستنسخ ) الملائكة (
ما كنتم تعملون ) أي نستكتبهم أعمالكم .
ثم بين
أحوال المطيعين فقال : (
فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين ) ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : ذكر بعد وصفهم بالإيمان كونهم عاملين للصالحات ، فوجب أن يكون
عمل الصالحات مغايرا للإيمان زائدا عليه .
المسألة الثانية : قالت
المعتزلة : علق الدخول في رحمة الله على كونه آتيا بالإيمان والأعمال الصالحة ، والمعلق على مجموع أمرين يكون عدما عند عدم أحدهما ، فعند عدم الأعمال الصالحة وجب أن لا يحصل الفوز بالجنة ، وجوابنا : أن
تعليق الحكم على الوصف لا يدل على عدم الحكم عند عدم الوصف .
المسألة الثالثة : سمى الثواب رحمة ، والرحمة إنما تصح تسميتها بهذا الاسم إذا لم تكن واجبة ، فوجب أن لا يكون الثواب واجبا على الله تعالى .
ثم قال تعالى : (
وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين ) ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : ذكر الله المؤمنين والكافرين ولم يذكر قسما ثالثا ، وهذا يدل على أن مذهب
المعتزلة إثبات المنزلتين باطل .
المسألة الثانية : أنه تعالى علل أن استحقاق العقوبة بأن آياته تليت عليهم فاستكبروا عن قبولها ، وهذا يدل على أن
استحقاق العقوبة لا يحصل إلا بعد مجيء الشرع ، وذلك يدل على أن
الواجبات لا تجب إلا بالشرع ، خلافا لما يقوله
المعتزلة من أن بعض الواجبات قد يجب بالعقل .
المسألة الثالثة : جواب (
أما ) محذوف ، والتقدير : وأما الذين كفروا فيقال لهم : (
أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم ) عن قبول الحق (
وكنتم قوما مجرمين ) ؟ فإن قالوا : كيف يحسن
وصف الكافر بكونه مجرما في معرض الطعن فيه والذم له ؟ قلنا : معناه أنهم مع كونهم كفارا ما كانوا عدولا في أديان أنفسهم ، بل كانوا فساقا في ذلك الدين ، والله أعلم .