أما قوله تعالى : (
فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : ذكروا في تفسير هذا التفريق وجهين :
الأول : أن هذا
التفريق إنما يكون بأن يعتقد أن ذلك السحر مؤثر في هذا التفريق ، فيصير كافرا ، وإذا صار كافرا بانت منه امرأته ، فيحصل تفرق بينهما .
الثاني : أنه يفرق بينهما بالتمويه والحيل والتضريب ، وسائر الوجوه المذكورة .
المسألة الثانية : أنه تعالى لم يذكر ذلك ؛ لأن الذي يتعلمون منهما ليس إلا هذا القدر ، لكن ذكر هذه الصورة تنبيها على سائر الصور ، فإن استكانة المرء إلى زوجته وركونه إليها معروف زائد على كل مودة ، فنبه
[ ص: 201 ] الله تعالى بذكر ذلك على أن السحر إذا أمكن به هذا الأمر على شدته فغيره به أولى .
أما قوله تعالى : (
وما هم بضارين به من أحد ) فإنه يدل على ما ذكرناه ؛ لأنه أطلق الضرر ، ولم يقصره على
التفريق بين المرء وزوجه ، فدل ذلك على أنه تعالى إنما ذكره لأنه من أعلى مراتبه .
أما قوله تعالى : (
إلا بإذن الله ) فاعلم أن الإذن حقيقة في الأمر ، والله لا يأمر بالسحر ، ولأنه تعالى أراد عيبهم وذمهم ، ولو كان قد أمرهم به لما جاز أن يذمهم عليه ، فلا بد من التأويل ، وفيه وجوه :
أحدها : قال
الحسن : المراد منه التخلية ، يعني : السحر إذا سحر إنسانا فإن شاء الله منعه منه ، وإن شاء خلى بينه وبين ضرر السحر .
وثانيها : قال
الأصم : المراد إلا بعلم الله ، وإنما سمي الأذان أذانا ؛ لأنه إعلام للناس بوقت الصلاة ، وسمي الإذن إذنا ؛ لأن بالحاسة القائمة به يدرك الإذن ، وكذلك قوله تعالى : (
وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج ) [ التوبة : 3 ] أي : إعلام ، وقوله : (
فأذنوا بحرب من الله ) [ البقرة : 279 ] معناه : فاعلموا ، وقوله : (
آذنتكم على سواء ) [ الأنبياء : 109 ] .
وثالثها : أن
الضرر الحاصل عند فعل السحر إنما يحصل بخلق الله وإيجاده وإبداعه ، وما كان كذلك فإنه يصح أن يضاف إلى إذن الله تعالى كما قال : (
إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ) [ النحل : 40 ] .
ورابعها : أن يكون المراد بالإذن الأمر ، وهذا الوجه لا يليق إلا بأن يفسر التفريق بين المرء وزوجه بأن يصير كافرا ، والكفر يقتضي التفريق ، فإن هذا حكم شرعي ، وذلك لا يكون إلا بأمر الله تعالى .