(
وبنين شهودا ومهدت له تمهيدا ثم يطمع أن أزيد كلا إنه كان لآياتنا عنيدا )
قوله تعالى : (
وبنين شهودا ) فيه وجهان :
الأول :
بنين حضورا معه بمكة لا يفارقونه البتة ؛ لأنهم كانوا أغنياء ، فما كانوا محتاجين إلى مفارقته لطلب كسب ومعيشة ، وكان هو مستأنسا بهم طيب القلب بسبب حضورهم .
والثاني : يجوز أن يكون المراد من كونهم شهودا أنهم رجال يشهدون معه المجامع والمحافل ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : كانوا عشرة ، وقيل : سبعة كلهم رجال :
الوليد بن الوليد ،
وخالد ،
وعمارة ،
وهشام ،
والعاص ،
وقيس ،
وعبد [ ص: 176 ] شمس ، أسلم منهم ثلاثة :
خالد ،
وعمارة ،
وهشام .
قوله تعالى : (
ومهدت له تمهيدا ) أي : وبسطت له الجاه العريض والرياسة في قومه ،
فأتممت عليه نعمتي المال والجاه ، واجتماعهما هو الكمال عند أهل الدنيا ، ولهذا المعنى يدعى بهذا ، فيقال : أدام الله تمهيده ، أي : بسطته وتصرفه في الأمور ، ومن المفسرين من جعل هذا التمهيد البسطة في العيش وطول العمر ، وكان
الوليد من أكابر
قريش ، ولذلك لقب الوحيد وريحانة
قريش .
قوله تعالى : (
ثم يطمع أن أزيد ) لفظ " ثم " ههنا معناه التعجب كما تقول لصاحبك : أنزلتك داري وأطعمتك وأسقيتك ثم أنت تشتمني ، ونظيره قوله تعالى : (
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ) [ الأنعام : 1] فمعنى " ثم " ههنا للإنكار والتعجب ، ثم تلك
الزيادة التي كان يطمع فيها هل هي زيادة في الدنيا أو في الآخرة ؟ فيه قولان :
الأول : قال
الكلبي ومقاتل : ثم يرجو أن أزيد في ماله وولده وقد كفر بي .
الثاني : أن تلك الزيادة في الآخرة ، قيل : إنه كان يقول : إن كان
محمد صادقا فما خلقت الجنة إلا لي ، ونظيره قوله تعالى : (
أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا ) [ مريم : 77]
ثم قال تعالى : (
كلا ) وهو ردع له عن ذلك الطمع الفاسد ، قال المفسرون : ولم يزل
الوليد في نقصان بعد قوله (
كلا ) حتى افتقر ومات فقيرا .
قوله تعالى : (
إنه كان لآياتنا عنيدا ) إنه تعليل للردع على وجه الاستئناف ؛ كأن قائلا قال : لم لا يزاد ؟ فقيل : لأنه كان لآياتنا عنيدا . والعنيد في معنى المعاند كالجليس والأكيل والعشير ، وفي هذه الآية إشارة إلى أمور كثيرة من صفاته :
أحدها : أنه
كان معاندا في جميع الدلائل الدالة على التوحيد والعدل والقدرة وصحة النبوة وصحة البعث ، وكان هو منازعا في الكل منكرا للكل .
وثانيها : أن كفره كان كفر عناد كان يعرف هذه الأشياء بقلبه إلا أنه كان ينكرها بلسانه ، وكفر المعاند أفحش أنواع الكفر .
وثالثها : أن قوله : (
إنه كان لآياتنا عنيدا ) يدل على أنه من قديم الزمان كان على هذه الحرفة والصنعة .
ورابعها : أن قوله : (
إنه كان لآياتنا عنيدا ) يفيد أن تلك المعاندة كانت منه مختصة بآيات الله تعالى وبيناته ، فإن تقديره : إنه كان لآياتنا عنيدا لا لآيات غيرنا ، فتخصيصه هذا العناد بآيات الله مع كونه تاركا للعناد في سائر الأشياء يدل على غاية الخسران .