أما قوله تعالى : (
وما أنت بتابع قبلتهم ) ففيه أقوال :
الأول : أنه دفع لتجويز النسخ ، وبيان أن هذه
القبلة لا تصير منسوخة .
والثاني : حسما لأطماع
أهل الكتاب فإنهم قالوا : لو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن يكون صاحبنا الذي ننتظره ، وطمعوا في رجوعه إلى قبلتهم .
الثالث : المقابلة يعني ما هم بتاركي باطلهم وما أنت بتارك حقك .
الرابع : أراد أنه لا يجب عليك استصلاحهم باتباع قبلتهم ؛ لأن ذلك معصية .
الخامس : وما أنت بتابع قبلة جميع
أهل الكتاب من
اليهود والنصارى ؛ لأن قبلة
اليهود مخالفة لقبلة
النصارى ،
فلليهود بيت المقدس وللنصارى المشرق ، فالزم قبلتك ودع أقوالهم .
أما قوله : (
وما بعضهم بتابع قبلة بعض ) قال
القفال : هذا يمكن حمله على الحال وعلى الاستقبال ، أما على الحال فمن وجوه :
الأول : أنهم ليسوا مجتمعين على قبلة واحدة حتى يمكن إرضاؤهم باتباعها .
الثاني :
أن اليهود والنصارى مع اتفاقهم على تكذيبك متباينون في القبلة فكيف يدعونك إلى ترك قبلتك مع أنهم فيما بينهم مختلفون .
الثالث : أن هذا إبطال لقولهم إنه لا يجوز مخالفة
أهل الكتاب ؛ لأنه إذا جاز أن تختلف قبلتاهما للمصلحة جاز أن تكون المصلحة في ثالث ، وأما حمل الآية على الاستقبال ففيه إشكال ، وهو أن قوله : (
وما بعضهم بتابع قبلة بعض ) ينفي أن يكون أحد منهم قد اتبع قبلة الآخر لكن ذلك قد وقع فيفضي إلى الخلف ، وجوابه أنا إن حملنا
أهل الكتاب على علمائهم الذين كانوا في ذلك الزمان فلم يثبت عندنا أن
[ ص: 115 ] أحدا منهم يتبع قبلة الآخر فالخلف غير لازم ، وإن حملناه على الكل قلنا إنه عام دخله التخصيص .