(
إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون )
قوله تعالى : (
إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في قوله : (
إن الذين يكتمون ) قولان .
أحدهما : أنه كلام مستأنف يتناول كل من كتم شيئا من الدين .
والثاني : أنه ليس يجري على ظاهره في العموم ثم من هؤلاء من زعم أنه في
اليهود خاصة ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : إن
جماعة من الأنصار سألوا نفرا من اليهود عما في التوراة من صفات النبي - عليه الصلاة والسلام - ، ومن الأحكام ، فكتموا ، فنزلت الآية ، وقيل : نزلت في
أهل الكتاب من
اليهود والنصارى ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد ،
والحسن وقتادة ،
والربيع ،
والسدي ،
والأصم . والأول أقرب إلى الصواب لوجوه :
أحدها : أن اللفظ عام ، والعارض الموجود وهو نزوله عند سبب معين يقتضي الخصوص على ما ثبت في أصول الفقه أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
وثانيها : أنه ثبت أيضا في أصول الفقه أن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بكون الوصف علة لذلك الحكم لا سيما إذا كان الوصف مناسبا للحكم ، ولا شك أن
[ ص: 148 ] كتمان الدين يناسبه استحقاق اللعن من الله تعالى ، وإذا كان هذا الوصف علة لهذا الحكم وجب عموم هذا الحكم عند عموم الوصف . وثالثها : أن جماعة من الصحابة حملوا هذا اللفظ على العموم ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : من زعم أن
محمدا - عليه الصلاة والسلام - كتم شيئا من الوحي فقد أعظم
الفرية على الله ، والله تعالى يقول : (
إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى ) فحملت الآية على العموم ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : لولا آيتان من كتاب الله ما حدثت حديثا بعد أن قال الناس : أكثر
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة . وتلا : (
إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى ) واحتج من خص الآية
بأهل الكتاب ، أن الكتمان لا يصح إلا منهم في شرع نبوة
محمد - عليه الصلاة والسلام - ، فأما القرآن فإنه متواتر ، فلا يصح كتمانه ، قلنا : القرآن قبل صيرورته متواترا يصح كتمانه ، والمجمل من القرآن إذا كان بيانه عند الواحد صح كتمانه ، وكذا القول فيما يحتاج المكلف إليه من الدلائل العقلية .
المسألة الثانية : قال القاضي :
الكتمان ترك إظهار الشيء مع الحاجة إليه ، وحصول الداعي إلى إظهاره ؛ لأنه متى لم يكن كذلك لا يعد كتمانا ، فلما كان ما أنزله الله من البينات والهدى من أشد ما يحتاج إليه في الدين ، وصف من علمه ولم يظهره بالكتمان ، كما يوصف أحدنا في أمور الدنيا بالكتمان ، إذا كانت مما تقوى الدواعي على إظهارها ، وعلى هذا الوجه يمدح من يقدر على كتمان السر ؛ لأن الكتمان مما يشق على النفس .