الفصل الثاني
في بيان الاستدلال بأحوال الأرض على وجود الصانع
اعلم أن
الاستدلال بأحوال الأرض على وجود الصانع أسهل من الاستدلال بأحوال السماوات على ذلك ؛ وذلك لأن الخصم يدعي أن اتصاف السماوات بمقاديرها وأحيازها وأوضاعها أمر واجب لذاته ، ممتنع التغير ، فيستغني عن المؤثر ، فيحتاج في إبطال ذلك إلى إقامة الدلالة على تماثل الأجسام الأرضية ، فإنا نشاهد تغيرها في جميع صفاتها ، أعني حصولها في أحيازها وألوانها وطعومها وطباعها ، ونشاهد أن كل واحد من أجزاء الجبال والصخور الصم يمكن كسرها وإزالتها عن مواضعها ، وجعل العالي سافلا والسافل عاليا ، وإذا كان الأمر كذلك ثبت أن اختصاص كل واحد من أجزاء الأرض بما هو عليه من المكان والحيز والمماسة والقرب من بعض الأجسام والبعد من بعضها ممكن التغير والتبدل ، وإذا ثبت أن اتصاف تلك الأجرام بصفاتها
[ ص: 175 ] أمر جائز وجب افتقارها في ذلك الاختصاص إلى مدبر قديم عليم سبحانه وتعالى عن قول الظالمين . وإذا عرفت مأخذ الكلام سهل عليك التفريع .