(
إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار )
قوله عز وجل : (
إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار )
اعلم أنه تعالى لما بين حال من يتخذ من دون الله أندادا بقوله : (
ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب ) على طريق التهديد زاد في هذا الوعيد بقوله تعالى : (
إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ) فبين أن الذين أفنوا عمرهم على عبادتهم واعتقدوا أنهم أوكد أسباب نجاتهم فإنهم يتبرءون منهم عند احتياجهم إليهم ، ونظيره قوله تعالى : (
يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ) [ العنكبوت : 25 ] وقال أيضا : (
الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) [ الزخرف : 67 ] وقال : (
كلما دخلت أمة لعنت أختها ) [ الأعراف : 38 ] وحكى عن إبليس أنه قال : (
إني كفرت بما أشركتموني من قبل ) وههنا مسائل :
المسألة الأولى : في قوله : (
إذ تبرأ ) قولان :
الأول : أنه بدل من : (
إذ يرون العذاب ) .
الثاني : أن عامل الإعراب في ( إذ ) معنى (شديد) ، كأنه قال : هو شديد العذاب إذ تبرأ يعني في وقت التبرؤ .
المسألة الثانية : معنى الآية أن
المتبوعين يتبرءون من الأتباع ذلك اليوم ، فبين تعالى ما لأجله يتبرءون منهم ، وهو عجزهم عن تخليصهم من العذاب الذي رأوه ؛ لأن قوله : (
وتقطعت بهم الأسباب ) يدخل في معناه
[ ص: 190 ] أنهم لم يجدوا إلى تخليص أنفسهم وأتباعهم سببا ، والآيس من كل وجه يرجو به الخلاص مما نزل به وبأوليائه من البلاء يوصف بأنه تقطعت به الأسباب .
واختلفوا في المراد بهؤلاء المتبوعين على وجوه :
أحدها : أنهم السادة والرؤساء من مشركي الإنس ؛ عن
قتادة والربيع وعطاء .
وثانيها : أنهم شياطين الجن الذين صاروا متبوعين للكفار بالوسوسة ؛ عن
السدي .
وثالثها : أنهم شياطين الجن والإنس .
ورابعها : الأوثان الذين كانوا يسمونها بالآلهة .
والأقرب هو الأول ؛ لأن الأقرب في الذين اتبعوا أنهم الذين يصح منهم الأمر والنهي حتى يمكن أن يتبعوا ، وذلك لا يليق بالأصنام ، ويجب أيضا حملهم على السادة من الناس ؛ لأنهم الذين يصح وصفهم من عظمهم بأنهم يحبونهم كحب الله دون الشياطين ، ويؤكده قوله تعالى : (
إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل ) [ الأحزاب : 67 ] ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد الأول على البناء للفاعل ، والثاني على البناء للمفعول أي تبرأ الأتباع من الرؤساء .
المسألة الثانية : ذكروا في تفسير التبرؤ وجوها :
أحدها : أن يقع منهم ذلك بالقول .
وثانيها : أن يكون نزول العذاب بهم وعجزهم عن دفعهم عن أنفسهم فكيف عن غيرهم فتبرءوا .
وثالثها : أنه ظهر فيهم
الندم على ما كان منهم من الكفر بالله والإعراض عن أنبيائه ورسله ، فسمي ذلك الندم تبرؤا والأقرب هو الأول ؛ لأنه هو الحقيقة في اللفظ .
أما قوله تعالى : (
ورأوا العذاب ) الواو للحال ، أي يتبرءون في حال رؤيتهم العذاب ، وهذا أولى من سائر الأقوال ؛ لأن في تلك الحالة يزداد الهول والخوف .