المسألة السابعة :
إذا جاء فعلان معطوفا أحدهما على الآخر وجاء بعدهما اسم صالح لأن يكون معمولا لهما فهذا على قسمين ؛ لأن الفعلين : إما أن يقتضيا عملين متشابهين أو مختلفين ، وعلى التقديرين فإما أن يكون الاسم المذكور بعدهما واحدا أو أكثر فهذه أقسام أربعة :
القسم الأول : أن يذكر فعلان يقتضيان عملا واحدا ، ويكون المذكور بعدهما اسما واحدا ، كقولك : قام وقعد زيد ، فزعم
الفراء أن الفعلين جميعا عاملان في زيد ، والمشهور أنه لا يجوز : لأنه يلزم تعليل الحكم الواحد بعلتين ، ممتنع في المؤثرات ، أما في المعرفات فجائز ، وأجيب عنه بأن المعرف يوجب المعرفة ، فيعود الأمر إلى اجتماع المؤثرين في الأثر الواحد .
القسم الثاني : إذا كان الاسم غير مفرد وهو كقولك : قام وقعد أخواك ، فههنا : إما أن ترفعه بالفعل الأول ، أو بالفعل الثاني ، فإن رفعته بالأول قلت : قام وقعدا أخواك ؛ لأن التقدير : قام أخواك وقعدا ، أما إذا أعملت الثاني جعلت في الفعل الأول ضمير الفاعل ؛ لأن الفعل لا يخلو من فاعل مضمر أو مظهر ، تقول : قاما وقعد أخواك ، وعند البصريين إعمال الثاني أولى ، وعند الكوفيين إعمال الأول أولى .
حجة البصريين أن إعمالهما معا ممتنع ، فلا بد من إعمال أحدهما ، والقرب مرجح ، فإعمال الأقرب أولى ، وحجة الكوفيين إذا أعملنا الأقرب وجب إسناد الفعل المتقدم إلى الضمير ، ويلزم حصول الإضمار قبل الذكر ، وذلك أولى بوجوب الاحتراز عنه .
القسم الثالث : ما إذا اقتضى الفعلان تأثيرين متناقضين ، وكان الاسم المذكور بعدهما مفردا ، فيقول البصريون : إن إعمال الأقرب أولى خلافا للكوفيين ، حجة البصريين وجوه :
الأول : قوله تعالى : (
آتوني أفرغ عليه قطرا ) [ الكهف : 96 ] فحصل ههنا فعلان كل واحد منهما يقتضي مفعولا ؛ فإما أن يكون الناصب لقوله قطرا هو قوله آتوني أو أفرغ ، والأول باطل وإلا صار التقدير : آتوني قطرا ، وحينئذ كان يجب أن يقال : أفرغه عليه ، ولما لم يكن كذلك علمنا أن الناصب لقولك : قطرا هو قوله : أفرغ .
الثاني : قوله تعالى : (
هاؤم اقرءوا كتابيه ) [ الحاقة : 19 ] فلو كان العامل هو الأبعد لقيل : هاؤم اقرءوه ، وأجاب الكوفيون عن هذين الدليلين بأنهما يدلان على جواز إعمال الأقرب ، وذلك لا نزاع فيه ، وإنما النزاع في أنا نجوز إعمال الأبعد ، وأنتم تمنعونه ، وليس في الآية ما يدل على المنع .
الحجة الثالثة للبصريين أنه يقال : ما جاءني من أحد فالفعل رافع ، والحرف جار ، ثم يرجح الجار ؛ لأنه هو الأقرب .
الحجة الرابعة : أن إهمالهما وإعمالهما لا يجوز ولا بد من الترجيح ، والقرب مرجح ، فإعمال الأقرب أولى .
[ ص: 57 ] واحتج الكوفيون بوجوه :
الأول أنا بينا أن الاسم المذكور بعد الفعلين إذا كان مثنى أو مجموعا فإعمال الثاني يوجب في الأول الإضمار قبل الذكر وأنه لا يجوز ، فوجب القول بإعمال الأول هناك ، فإذا كان الاسم مفردا وجب أن يكون الأمر كذلك طردا للباب .
الثاني : أن الفعل الأول وجد معمولا خاليا عن العائق : لأن الفعل لا بد له من مفعول ، والفعل الثاني وجد المعمول بعد أن عمل الأول فيه ، وعمل الأول فيه عائق عن عمل الثاني فيه ، ومعلوم أن إعمال الخالي عن العائق أولى من إعمال العامل المقرون بالعائق .
القسم الرابع : إذا كان الاسم المذكور بعد الفعلين مثنى أو مجموعا فإن أعملت الفعل الثاني قلت : ضربت وضربني الزيدان ، وضربت وضربني الزيدون ، وإن أعملت الأول قلت : ضربت وضرباني الزيدين وضربت وضربوني الزيدين .