المسألة الخامسة : من الناس من قال : هذه الآية منسوخة ، وذلك لأن هذه الآية دلت على أن
الله تعالى أوجب قتال المقاتلين ، ونهى عن قتال غير المقاتلين ، بدليل أنه قال : (
وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ) ثم بعده : ولا تعتدوا هذا القدر ، ولا تقاتلوا من لا يقاتلكم ، فثبت أن هذه الآية مانعة من قتال غير المقاتلين ، ثم قال تعالى بعد ذلك : (
واقتلوهم حيث ثقفتموهم ) [ البقرة : 191 ] فاقتضى هذا حصول الأول
[ ص: 110 ] في قتال من لم يقاتل ، فدل على أن هذه الآية منسوخة ، ولقائل أن يقول : نسلم أن هذه الآية دالة على الأمر بقتال من لم يقاتلنا ، لكن هذا الحكم ما صار منسوخا .
أما قوله : إنها دالة على المنع من قتال من لم يقاتلنا ، فهذا غير مسلم ، وأما قوله تعالى : (
ولا تعتدوا ) فهذا يحتمل وجوها أخر سوى ما ذكرتم ، منها أن يكون المعنى : ولا تبدؤوا في الحرم بقتال ، ومنها أن يكون المراد : ولا تعتدوا بقتال من نهيتم عن قتاله من الذين بينكم وبينهم عهد ، أو بالحيلة أو بالمفاجأة من غير تقديم دعوة ، أو بقتل النساء والصبيان والشيخ الفاني ، وعلى جميع هذه التقديرات لا تكون الآية منسوخة .
فإن قيل : هب أنه لا نسخ في الآية ، ولكن ما
السبب في أن الله تعالى أمر أولا بقتال من يقاتل ، ثم في آخر الأمر أذن في قتالهم سواء قاتلوا أو لم يقاتلوا .
قلنا : لأن في أول الأمر كان المسلمون قليلين ، فكان الصلاح استعمال الرفق واللين والمجاملة ، فلما قوي الإسلام وكثر الجمع ، وأقام من أقام منهم على الشرك ، بعد ظهور المعجزات وتكررها عليهم حالا بعد حال ، حصل اليأس من إسلامهم ، فلا جرم أمر الله تعالى بقتالهم على الإطلاق .
المسألة السادسة :
المعتزلة احتجوا بقوله تعالى : (
إن الله لا يحب المعتدين ) قالوا : لو كان الاعتداء بإرادة الله تعالى وبتخليقه لما صح هذا الكلام ، وجوابه قد تقدم والله أعلم .