المسألة الثالثة : " المناسك" جمع منسك ، الذي هو المصدر بمنزلة النسك ، أي إذا قضيتم عباداتكم التي أمرتم بها في الحج ، وإن جعلتها جمع منسك الذي هو موضع العبادة ، كان التقدير : فإذا قضيتم أعمال مناسككم ، فيكون من باب حذف المضاف .
إذا عرفت هذا فنقول : قال بعض المفسرين : المراد من المناسك ههنا ما أمر الله تعالى به الناس في الحج من العبادات ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد أن قضاء المناسك هو إراقة الدماء .
المسألة الرابعة : الفاء في قوله : (
فاذكروا الله ) يدل على أن الفراغ من المناسك يوجب هذا الذكر ، فلهذا اختلفوا في أن هذا الذكر أي ذكر هو ؟ فمنهم من حمله على الذكر على الذبيحة ، ومنهم من حمله على الذكر الذي هو التكبيرات بعد الصلاة في يوم النحر وأيام التشريق ، على حسب اختلافهم في وقته أولا وآخرا ؛ لأن بعد الفراغ من الحج لا ذكر مخصوص إلا هذه التكبيرات ، ومنهم من قال : بل المراد تحويل القوم عما اعتادوه بعد الحج من ذكر التفاخر بأحوال الآباء ؛ لأنه تعالى لو لم ينه عن ذلك بإنزال هذه الآية لم يكونوا ليعدلوا عن هذه الطريقة الذميمة ، فكأنه تعالى قال : فإذا قضيتم وفرغتم من واجبات الحج وحللتم ، فتوفروا على ذكر الله دون ذكر الآباء ، ومنهم من قال : بل المراد منه أن الفراغ من الحج يوجب الإقبال على الدعاء والاستغفار ، وذلك لأن من تحمل مفارقة الأهل والوطن وإنفاق الأموال ، والتزام المشاق في سفر الحج فحقيق به بعد الفراغ منه أن يقبل على
الدعاء والتضرع وكثرة الاستغفار والانقطاع إلى الله تعالى ، وعلى هذا
جرت السنة بعد الفراغ من الصلاة بالدعوات الكثيرة . وفيه وجه خامس : وهو أن المقصود من الاشتغال بهذه العبادة : قهر النفس ومحو آثار النفس والطبيعة ، ثم هذا العزم ليس مقصودا بالذات ، بل المقصود منه أن تزول النقوش الباطلة عن لوح الروح حتى يتجلى فيه نور جلال الله ، والتقدير : فإذا قضيتم مناسككم وأزلتم آثار البشرية ، وأمطتم الأذى عن طريق السلوك فاشتغلوا بعد ذلك بتنوير القلب بذكر الله ، فالأول نفي ، والثاني إثبات ، والأول إزالة ما دون الحق من سنن الآثار ، والثاني استنارة القلب بذكر الملك الجبار .