المسألة الخامسة : استدلت
المعتزلة على أن
الله تعالى لا يريد القبائح بقوله تعالى : (
والله لا يحب الفساد ) قالوا : والمحبة عبارة عن الإرادة ، والدليل عليه قوله تعالى : (
إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة ) [النور : 19] والمراد بذلك أنهم يريدون ، وأيضا نقل عن الرسول عليه السلام أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011862إن الله أحب لكم ثلاثا ، وكره لكم ثلاثا ، أحب لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأن تناصحوا من ولاة أمركم ، وكره لكم القيل والقال ، وإضاعة المال ، وكثرة السؤال " فجعل الكراهة ضد المحبة ، ولولا أن المحبة عبارة عن الإرادة وإلا لكانت الكراهة ضدا للإرادة ، وأيضا لو كانت المحبة غير الإرادة لصح أن يحب الفعل وإن كرهه ؛ لأن الكراهة على هذا القول إنما تضاد الإرادة دون المحبة ، قالوا : وإذا ثبت أن المحبة نفس الإرادة فقوله : (
والله لا يحب الفساد ) جار مجرى قوله والله لا يريد الفساد كقوله : (
وما الله يريد ظلما للعباد ) [غافر : 31] بل دلالة هذه الآية أقوى لأنه تعالى ذكر ما وقع من الفساد من هذا المنافق ثم قال : (
والله لا يحب الفساد ) إشارة إليه ؛ فدل على أن ذلك الواقع وقع لا بإرادة الله تعالى ، وإذا ثبت أنه تعالى لا يريد الفساد وجب أن لا يكون خالقا له ؛ لأن الخلق لا يمكن إلا مع الإرادة فصارت هذه الآية دالة على مسألة الإرادة ومسألة خلق الأفعال .
والأصحاب أجابوا عنه بوجهين :
الأول : أن المحبة غير الإرادة بل المحبة عبارة عن مدح الشيء وذكر تعظيمه .
والثاني : إن سلمنا أن المحبة نفس الإرادة ، ولكن قوله : (
والله لا يحب الفساد ) لا يفيد العموم لأن الألف واللام الداخلين في اللفظ لا يفيدان العموم ثم الذي يهدم قوة هذا الكلام وجهان :
الأول : أن قدرة العبد وداعيته صالحة للصلاح والفساد ؛ فترجح الفساد على الصلاح ، إن وقع لا لعلة لزم نفي الصانع ، وإن وقع لمرجح فذلك المرجح لا بد وأن يكون من الله ، وإلا لزم التسلسل ، فثبت أن الله سبحانه هو المرجح لجانب الفساد على جانب الصلاح ، فكيف يعقل أن يقال : إنه لا يريده .
والثاني : أنه عالم بوقوع الفساد ، فإن أراد أن لا يقع الفساد لزم أن يقال : إنه أراد أن يقلب علم نفسه جهلا وذلك محال .
الصفة الخامسة : قوله تعالى : (
وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال
الواحدي : قوله تعالى : (
وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة ) معناه أن رسول الله دعاه إلى ترك هذه الأفعال فدعاه الكبر والأنفة إلى الظلم .
واعلم أن هذا التفسير ضعيف ، لأن قوله : (
وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة ) ليس فيه دلالة إلا على أنه متى قيل له هذا القول أخذته العزة ، فإما أن هذا القول قيل أو ما قيل فليس في الآية دلالة عليه ، فإن ثبت ذلك
[ ص: 173 ] برواية وجب المصير إليه ، وإن كنا نعلم أنه عليه السلام كان يدعو الكل إلى التقوى من غير تخصيص .
المسألة الثانية :
أنه تعالى حكى عن هذا المنافق جملة من الأفعال المذمومة :
أولها : اشتغاله بالكلام الحسن في طلب الدنيا .
وثانيها : استشهاده بالله كذبا وبهتانا .
وثالثها : لجاجه في إبطال الحق وإثبات الباطل .
ورابعها : سعيه في الفساد .
وخامسها : سعيه في إهلاك الحرث والنسل .
وكل ذلك فعل منكر قبيح ، وظاهر قوله : (
وإذا قيل له اتق الله ) فليس بأن ينصرف إلى بعض هذه الأمور أولى من بعض ، فوجب أن يحمل على الكل فكأنه قيل : اتق الله في إهلاك الحرث والنسل وفي السعي بالفساد ، وفي اللجاج الباطل ، وفي الاستشهاد بالله كذلك ، وفي الحرص على طلب الدنيا فإنه ليس رجوع النهي إلى البعض أولى من بعض .