الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : قوله : ( أخذته العزة بالإثم ) فيه وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أن هذا مأخوذ من قولهم أخذت فلانا بأن يعمل كذا ، أي ألزمته ذلك وحكمت به عليه ، فتقدير الآية : أخذته العزة بأن يعمل الإثم ، وذلك الإثم هو ترك الالتفات إلى هذا الواعظ وعدم الإصغاء إليه .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : ( أخذته العزة ) أي لزمته يقال : أخذته الحمى أي لزمته ، وأخذه الكبر ، أي اعتراه ذلك ، فمعنى الآية إذا قيل له : اتق الله لزمته العزة الحاصلة بالإثم الذي في قلبه ، فإن تلك العزة إنما حصلت بسبب ما في قلبه من الكفر والجهل وعدم النظر في الدلائل ، ونظيره قوله تعالى : ( بل الذين كفروا في عزة وشقاق ) [ص : 2] والباء ههنا في معنى اللام ، يقول الرجل : فعلت هذا بسببك ولسببك ، وعاقبته بجنايته ولجنايته .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( فحسبه جهنم ) قال المفسرون : كافيه جهنم جزاء له وعذابا يقال : حسبك درهم أي كفاك وحسبنا الله ، أي كافينا الله ، وأما جهنم فقال يونس وأكثر النحويين : هي اسم للنار التي يعذب الله بها في الآخرة وهي أعجمية ، وقال آخرون : جهنم اسم عربي سميت نار الآخرة بها لبعد قعرها ، حكي عن رؤبة أنه قال :


                                                                                                                                                                                                                                            ركية جهنام بعيدة القعر

                                                                                                                                                                                                                                            .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( ولبئس المهاد ) ففيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن المهاد والتمهيد : التوطئة ، وأصله من المهد ، قال تعالى : ( والأرض فرشناها فنعم الماهدون ) [الذاريات : 48] أي الموطئون الممكنون ، أي جعلناها ساكنة مستقرة لا تميد بأهلها ولا تنبو عنهم وقال تعالى : ( فلأنفسهم يمهدون ) [الروم : 44] أي يفرشون ويمكنون .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أن يكون قوله : ( ولبئس المهاد ) أي لبئس المستقر كقوله : ( جهنم يصلونها وبئس القرار ) [إبراهيم : 29] وقال بعض العلماء : المهاد الفراش للنوم ، فلما كان المعذب في النار يلقى على نار جهنم جعل ذلك مهادا له وفراشا .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية