فصل
وأما صيام السبعة فيجوز تأخيره إلى أن يرجع إلى أهله ، فإذا رجع إليهم
[ ص: 342 ] فإن صامها في طريقه ، أو في
مكة بعد أيام
منى وبعد التحلل الثاني جاز ، وإن صامها قبل التحلل الثاني وبعد التحلل الأول لم يجز سواء رجع إلى وطنه ، أو لم يرجع ذكره القاضي .. . .
قال - في رواية
أبي طالب - : إن قدر على الهدي وإلا يصوم بعد الأيام ، قيل له :
بمكة أم في الطريق ؟ قال : كيف شاء .
وقال - في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم - وقد سأله عن صيام السبعة ، يصومهن في الطريق أم في أهله ؟ فقال : كل قد تأوله الناس ووسع في ذلك كله .
والأصل في ذلك قوله تعالى : (
وسبعة إذا رجعتم ) . فذهب القاضي وأصحابه وغيرهم إلى أن معنى ذلك : إذا رجعتم من الحج ؛ لأنه قد قال تعالى : (
فصيام ثلاثة أيام في الحج ) ثم قال : (
وسبعة إذا رجعتم ) فتقدير الرجوع من الحج - الذي تقدم ذكره - أولى من تقدير الرجوع من السفر ؛ لأنه لم يذكر ، ولأنه لو رجع إلى أهله قبل الإحلال الثاني ، لم يجز الصوم . فعلم أن الحكم مقيد بالرجوع من الحج فقط ، ويصح تسميته راجعا من الحج بمعنيين :
أحدهما : أنه قد عاد إلى حاله قبل الإحرام من الإحلال .
[ ص: 343 ] والثاني : أنه يفعل في أماكن مخصوصة ، فإذا قضاه ورجع عن تلك الأماكن وانتقل عنها سمي راجعا بهذا الاعتبار .
وفيها طريقة أخرى أحسن من هذه ، وهي طريقة أكثر السلف أن معنى الآية : إذا رجعتم إلى أهلكم وهي طريقة
أحمد ؛ لأنه قال :
إذا فرط في الصوم وهو متمتع صام بعدما يرجع إلى أهله وعليه دم .
وقال -في رواية جماعة - : عليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم ؛ وإن شاء صام في الطريق ؛ وذلك لما أخرجا في الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015529لما قدم مكة ، قال للناس : من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه ، ومن لم يكن أهدى فليطف بالبيت وبين الصفا والمروة ، وليقصر وليحلل ، ثم ليهل بالحج وليهد ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ) . وذكر الحديث . وهذا تفسير من النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
عكرمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه سئل عن
متعة الحج ، فقال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015530أهل المهاجرون والأنصار ، وأزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع ، وأهللنا فلما قدمنا مكة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة ، إلا من قلد الهدي ، طفنا بالبيت وبين الصفا والمروة ، وأتينا النساء ، ولبسنا الثياب ) وقال : ( من قلد الهدي فإنه لا يحل له حتى يبلغ الهدي محله ، ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة [ ص: 344 ] فقد تم حجنا وعلينا الهدي ) كما قال تعالى : (
فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم ) إلى أمصاركم ، الشاة تجزئ ، فجمعوا بين نسكين في عام الحج والعمرة ، فإن الله تعالى أنزله في كتابه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وأباحه للناس غير
أهل مكة ، قال الله : (
ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ) .
وقوله : إلى أمصاركم : يحتمل أن يكون مرفوعا وموقوفا .
وعن
جابر .. . .
وأيضا : فإن الرجوع المطلق إنما يفهم منه الرجوع إلى الوطن لكن تأخير الصوم إلى مصره رخصة كما روى
سعيد عن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء : (
وسبعة إذا رجعتم ) قال : " هي رخصة إن شاء صام في الطريق وإن شاء إذا قدم إلى منزله " .
وعن
الحسن مثله : " هي رخصة " .
[ ص: 345 ] وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13708الأشج عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد في قوله : "
وسبعة إذا رجعتم " قال : "إن شاء صامها في الطريق فعل فإنما هي رخصة " ، وذلك لأن هذا بمنزلة قوله : (
فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) لما انعقد سبب الوجوب وتم ، كان التأخير إلى حال الإقامة رخصة ، وكذلك : صوم السبعة إنما سببه المتعة وهي قد تمت
بمكة ، لكن لما كان الحاج مسافرا ، والصوم يشق : جوز له الشرع التأخير إلى أن يقدم .
وأيضا : فإن الحجيج إذا صدروا من
منى : فقد شرعوا في الرجوع إلى أهلهم ، فإن
عرفات ومنى : هي منتهى سفرهم ، فالمصدر عنها قفول من سفرهم ورجوع إلى أوطانهم ، ومقامهم بعد ذلك
بمكة ، أو
المدينة ، أو غيرهما ، كما يعرض لسائر المسافرين من المقام . والأفعال الممتدة مثل الحج والرجوع ونحوه : يقع الاسم على المتلبس به إذا شرع فيه ، وإن كان لا يتناول الاسم على التمام إلا إذا قضاه .
يبين هذا : أن الصوم لا يختص بمكان ولا بحال دون حال ، فلو قيل : لا يجوز له الصوم بالطريق ، أو
بمكة : لكان منعا للصوم في بعض الأمكنة ، وذلك غير معهود من الشرع ولا معنى تحته .
وأيضا : فعند أصحابه أن صوم السبعة قد وجب في ذمته
بمكة ، وقد نص
أحمد على ذلك ؛ فقال - في رواية
المروذي - إذا مات ولم يصم السبعة أيام يطعم عنه
بمكة موضع وجب عليه ، وكل صوم وجب في ذمته : فله البدار إلى فعله كقضاء رمضان والنذر .
[ ص: 346 ] ودليل وجوبه : أنه وجب بدلا عن الهدي ، والبدل لا يتأخر وجوبه عن وجوب المبدل منه ؛ لأنه قائم مقامه .
والأفضل أن يؤخر صومها إلى أن يقدم ؛ لأنه أخذ بالرخصة ، وخروج من الخلاف ، كما قلنا في صوم رمضان وأولى إلا أن بينهما فرق . فإن صوم رمضان يصومه مقيما في غير وطنه .