مسألة : ( ومن كرر محظورا من جنس غير قتل الصيد فكفارة واحدة إلا أن يكون قد كفر عن الأول ، فعليه للثاني كفارة ، وإن فعل محظورا من أجناس فلكل واحد كفارة ) .
في هذا الكلام فصول :
أحدها : أنه إذا
كرر محظورا من جنس واحد غير قتل الصيد ، مثل أن يلبس ، أو يخلع ثم يلبس ، أو يتطيب ثم يتطيب في وقت آخر ، أو يجامع ثم يجامع ، أو يحلق ثم يحلق ثم يحلق ، أو يقلم ثم يقلم : فعليه كفارة واحدة ما لم يكن كفر عن الأول في أشهر الروايتين .
قال - في رواية
ابن القاسم - وقد حكي له قول بعضهم : إذا وجبت عليه كفارة في لباس ، أو طيب ونحو ذلك ثم كفر ، ثم عاد بمثله : فعليه
[ ص: 382 ] الكفارة ، وإن لم يكفر حتى عاد فليس عليه : إلا كفارة واحدة ، فقال : هو هكذا إذا لم يكفر فليس عليه إلا كفارة . وقال - في رواية
ابن منصور - : فيمن
وقع بأربع نسوة وهو محرم في يوم واحد ، أو أيام متفرقة : فسد حجه وعليه كفارة واحدة ما لم يكفر .. . .
والرواية الثانية : إن كان السبب مختلفا مثل مرض ، ثم مرض ، ثم حر ثم برد : فعليه كفارات ، قال - في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم - في
محرم اعتل فلبس جبة : ثم برأ ، ثم اعتل فلبس جبة يكفر كفارتين ، فإن اعتل علة واحدة فلبس عمامة ، واحتاج في علته في الغد إلى جبة وبعد غد قميص : فإذا كانت علة واحدة وكان شيئا متقاربا فكفارة ، وإن تداوى بأدوية دواء بعد دواء فحكمه حكم اللباس .
ومعنى قوله : وإن كان متقاربا : أي
فعل أشياء من المحظورات متقاربة المقصود حتى يكون جنسا واحدا ؛ مثل العمامة ، والجبة والقميص ؛ لأن كل واحد من هذه الأفعال موجب للكفارة بنفسه ، فلم تدخل كفارته في غيره كما لو كفر عن الأول ، لكن إذا كان السبب واحدا : فالفدية تبيح له ما اقتضاه ذلك السبب ؛ ولهذا يجوز تقديمها على فعل المحظور ، فلا يصير شيء من تلك الأمور محظورا في حقه فلا يحتاج إلى فدية ثانية ، بخلاف ما إذا تعدد السبب ، أو فعل المحظورات عامدا .
فعلى هذه الرواية : إذا لبس للبرد في طرفي النهار وبالليل : فإنه يخلع وقت الحر ، وكذلك إن لبس للحر وسط النهار فإنه يخلع وقت البرد ويكون سببا واحدا ؛ لأنه شيء واحد له أوقات معلومة ، فأشبه المريض مرضا واحدا إذا لم يبرأ ،
[ ص: 383 ] ولكن يحتاج إلى اللباس في أوقات الحمى ونحو ذلك .
وعلى هذه الرواية أيضا : إذا فعل ذلك دفعة واحدة ؛ مثل أن يلبس ويتعمم ويحتذي ، أو حلق رأسه كله : لم يلزمه إلا كفارة واحدة أيضا .
والثالثة : لكل واحد كفارة مطلقا ، قال - في رواية
ابن منصور - وقد سئل عن
محرم مس طيبا ، ولبس ثوبا ، وحلق رأسه ، ولبس الخفين وما أشبه ذلك مما لا ينبغي له أن يفعل ، قال : عليه كفارة واحدة ، وإن فعل ذلك واحدا بعد واحد : فعليه دم لكل واحد ، فقد سوى بين الجنس والجنسين ؛ لأن الثوب والخف من جنس واحد .
والأول أصح ؛ لأنها أفعال من جنس واحد لا تتفاوت كفاراتها بكثرتها فتداخلت كما لو فعلها متصلة ، وذلك لأن الاتصال والانفصال لا يغير موجب الشيء ومقتضاه . بدليل قتل الصيد ، وقتل النفوس ، ونحو ذلك لما كانت متباينة استوى فيها الاتصال والانفصال ، فلما كانت هذه الأفعال متداخلة عند الاتصال وجب أن تكون متداخلة عند الانفصال .
وأيضا : فإن الكفارات كالحدود تشرع زاجرة وماحية ، فإن الحدود كفارات لأهلها ، والكفارات حدود عن المحظورات ، فوجب أن تتداخل كالحدود .
وإن كان قد كفر عن الأول : فعليه للثاني كفارة ثانية ، هكذا أطلق أصحابنا . .
[ ص: 384 ] وهذا ينبغي إذا لم يدخل الثاني في كفارة الأول ، فإن من أصلنا أنه يجوز
تقديم الكفارة على الفعل إذا أبيح ؛ فلو مرض فاحتاج إلى اللبس ، أو الطيب ، فافتدى لذلك ، ثم لبس بعد ذلك مرات ، أو تطيب مرات : لم يلزمه كفارة ثانية بلا تردد ؛ لأن الفدية أباحت اللبس الثاني كما أباحت اللبس الأول ، ولا فرق بينهما ، ولهذا أطلق
أحمد القول بوجوب كفارة واحدة إذا لبس مرات لعلة واحدة ، ولم يفرق بين أن يكفر ، أو لا يكفر ، اللهم إلا ينوي أنه يستبيح اللبس مرة واحدة .
ولو
كفر ثم استدام المحظور : فعليه كفارة ثانية كما لو ابتدأه على ما ذكره - في رواية
ابن منصور - فيمن لبس قميصا عشرة أيام ناسيا عليه كفارة واحدة ما لم يكفر .
وهذا إذا لم يكن لعذر .. . .