( فصل )
فإن طاف على غير طهارة ، ففيه روايتان :
إحداهما : لا يجزئه بحال ، قال - في رواية
حنبل - : إذا
طاف بالبيت طواف الواجب غير طاهر : لم يجزه ، وقال - في رواية
أبي طالب - : إذا طاف محدثا أو جنبا أعاد طوافه ،
[ ص: 587 ] وكذلك نقل
nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم ،
وابن منصور .
والثانية : يجزئه في الجملة ، قال - في رواية
ابن الحكم وقد سأله عن
الرجل يطوف للزيارة ، أو الصدر ، وهو جنب أو على غير وضوء قلت : إن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا يقول : يعود للحج والعمرة ، وعليه هدي ، قال : هذا شديد ، قال
أبو عبد الله : أرجو أن يجزئه أن يهريق دما إن كان جنبا ، أو على غير وضوء ناسيا ، والوقوف
بعرفة أهو من طواف الزيارة ، وإن ذكر وهو
بمكة أعاد الطواف .
وفي لفظ : إذا طاف طواف الزيارة وهو ناس لطهارته حتى يرجع ، فإنه لا شيء عليه واختار له أن يطوف وهو طاهر . وإن وطئ فحجه ماض ولا شيء عليه .
فقد نص على أنه يجزئه إن كان ناسيا ، ويجب عليه أن يعيد إذا ذكر وهو
بمكة ، فإن استمر به النسيان أهرق دما وأجزأه .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14800أبو حفص العكبري : لا يختلف قوله إذا تعمد فطاف على غير طهارة لا يجزئه ، واختلف قوله في النسيان على قولين :
أحدهما : أنه معذور بالنسيان .
والآخر : لا يجزئه مثل الصلاة .
وكذلك قال
أبو بكر عبد العزيز في الطواف قولان :
أحدهما : أنه إذا طاف وهو غير طاهر أن الطواف يجزئ عنه إذا كان ناسيا ، فإذا وطئ بعد الطواف فقد تم حجه .
والآخر : لا يجزئه حتى يكون طاهرا ، فعلى هذا يرجع من أي
[ ص: 588 ] موضع ذكر حتى يطوف ، وبه أقول . وعلى هذا إذا ذكر وهو
بمكة بعد أن وطئ . . .
وذكر القاضي وأصحابه ، والمتأخرون من أصحابنا المسألة على روايتين ، في طواف المحدث مطلقا .
وقال - في رواية
الميموني - وقد قال له : من
سعى أو طاف الطواف الواجب وهو على غير طهارة ، ثم واقع أهله ، فقال : لي مسألة الناس فيها مختلفون ، وذكر قول
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، وما يقول
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء ، وما يسهل فيه ، وما يقول
الحسن ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015813وأمر nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - حين حاضت : "افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت" إلا أن هذا أمر قد كتبه الله ، وقد بليت به نزل عليها ليس من قبلها ، قلت : فمن الناس من يقول : عليه الحج ، فقال : نعم كذلك أكبر علمي ، ومن الناس من يذهب إلى أن عليه دما . قال
أبو عبد الله : أولا وآخرا هي مسألة فيها شبه فيها نظر ، دعني حتى أنظر فيها ، ومن الناس من يقول : وإن أتى بلده يرجع حتى يطوف ، قلت : والنسيان ؟ قال : النسيان أهون حكما بكثير . يريد : أهون ممن يطوف على غير طهارة متعمدا .
[ ص: 589 ] والرواية الأولى : اختيار أصحابنا
أبي بكر ،
وابن أبي موسى ، والقاضي ، وأصحابه ، وقال
ابن أبي موسى : إن حاضت قبل طواف الإفاضة لزم انتظارها حتى تطهر ، ثم تطوف ، وإن حاضت بعدما أفاضت : لم يجب انتظارها وجاز لها أن تنفر ، ولم تودع لحديث
صفية المتقدم .
والشرط الثالث : أن يكون طاهرا من الخبث ، فإن كان حاملا للنجاسة ، أو ملاقيها في بدنه ، أو ثيابه ، أو مطافه ، فقال - في رواية
أبي طالب - : إذا
طاف الرجل في ثوب غير طاهر ، فإن
الحسن كان يكره أن يفعل ذلك ، ولا ينبغي له أن يطوف إلا في ثوب طاهر .
فإن فعل : ذلك فقد ذكر أصحابنا فيه الروايتين في المحدث . وهذا إذا كان متعمدا ، فأما إن كان ناسيا ، وقلنا : تصح صلاته ، فالطواف أولى ، وإن قلنا : لا تصح صلاته ، ففي طوافه روايتان ، ويشترط هاهنا ما يشترط في الصلاة . . .
الشرط الرابع : السترة ، والأصل فيها قوله سبحانه : (
يابني آدم قد أنزلنا )
[ ص: 590 ] (
عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ) الآيات كلها إلى قوله : (
خذوا زينتكم عند كل مسجد ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة ، فتقول : من يعيرني تطوافا تجعله على فرجها ، وتقول :
اليوم يبدو بعضه أو كله ، فما بدا منه فلا أحله
. فنزلت هذه الآية : (
خذوا زينتكم عند كل مسجد ) رواه
مسلم .
وروى أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن أبيه قال : " كانت العرب تطوف بالبيت عراة إلا الحمس . والحمس
قريش ، وما ولدت كانوا يطوفون عراة ، إلا أن يعطيهم الحمس ثيابا ، فيعطي الرجال الرجال والنساء النساء" .
فقد سمى الله سبحانه نزع الثياب فتنة وفاحشة ، وأمر بأخذ اللباس عند كل مسجد .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : " أن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - بعثه في الحجة التي أمره عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل حجة الوداع يوم النحر في
[ ص: 591 ] رهط يؤذن في الناس : ألا لا يحج بعد العام مشرك ،
ولا يطوف بالبيت عريان " متفق عليه .
وتشترط السترة الواجبة في الصلاة حتى ستر المنكب . . . ، فإن
طاف عريان فقد ذكر أصحابنا فيه الروايتين في المحدث ، أشهرهما : أنه لا يجزئه ، والأخرى عليه دم .
الشرط الخامس : أن يطوف سبعة أشواط ، فلو نقص طوافا أو خطوة من طواف لم يجزه ، قال - في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم فيمن
ترك طوفة من الطواف الواجب - : لا يجزئه حتى يأتي بسبع تام لا بد منه .
وقال - في رواية
ابن منصور - وذكر له قول
سفيان : إذا لم يكمل سبعة فهو بمنزلة من لم يطف يكون حراما حتى يرجع فيقضي ، حجة كانت أو عمرة ، فقال
أحمد : ما أحسن ما قال .
ونقل عنه
أبو طالب وذكر له قول
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء : إذا طاف أكثر الطواف خمسا أو ستا ، فقال : أنا أقول : يعيد الطواف ، قيل له : فإن كان
بخراسان ؟
[ ص: 592 ] قال : يرجع ، فإذا بلغ
التنعيم ، أهل ، ثم طاف ، ويهدي ، مثل قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
وقد نقل عنه
الميموني - فيمن وطئ وقد بقي عليه شوط - : فالدم قليل ، ولكن يأتي ببدنة ، وأرجو أن يجزئه ، ولم يذكر إعادة الطواف .
الشرط السادس : الترتيب ، هو شيئان :
أحدهما : أن
يبتدئ بالحجر الأسود ، فإن ابتدأ بما قبله من ناحية الركن اليماني : لم يضره الزيادة ، وإن ابتدأ بما بعده من ناحية الباب : لم يحتسب له بذلك الشوط .
الثاني : وهو الشرط السابع : أن يبتدئ بعد الحجر الأسود بناحية الباب ، ثم ناحية الحجر ، ثم ناحية الركن اليماني ،
فيجعل البيت عن يساره ، فلو نكس الطواف ، فابتدأ بناحية الركن اليماني ، وجعل البيت عن يمينه - لم يجزه .
وإن مر على الباب لكن استقبل البيت في طوافه ، ومشى على جنب . . . ، قال - في رواية
حنبل - : من طاف بالبيت طواف الواجب منكوسا لم يجزه ، حتى يأتي به على ما أمر الله ، وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإن طاف كذلك وانصرف ، فعليه أن يأتي به ، لا يجزئه . . .
وذلك لأن الله أمر بالطواف ، وقد فسره النبي - صلى الله عليه وسلم - بفعله ، وتلقته الأمة عنه بالعمل المتواتر ، وفعله إذا خرج امتثالا لأمر ، وتفسيرا لمجمل كان حكمه حكم ذلك الأمر . وقد قال - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015814 "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" .
الشرط الثامن :
الموالاة ، وهو أن لا يطيل قطعه ، فإن أطال قطعه لمكتوبة
[ ص: 593 ] أقيمت ، أو جنازة حضرت ، لم يقطع موالاته ؛ لأنه فرض يخاف فوته ، فأشبه خروج المعتكف لصلاة الجمعة .
قال - في رواية
ابن إبراهيم في الرجل يطوف ويرى جنازة - : يقطع ويصلي عليها ، ويبني ، وسئل عن الرجل يطوف بالبيت فيعيا هل يستريح ؟ قال : نعم ، قد فعله
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر وابن الزبير ، طافا واستراحا .
فإن أطال : فذكر فيها روايتين :
إحداهما : يبني ، قال - في رواية
ابن منصور - وقد سئل إذا قطع الطواف يبني ، أو يستأنف ، قال : يبني ، وقال في رواية
حنبل في رجل طاف ستة أشواط ، وصلى ركعتين ، ثم ذكر بعد : يطوف شوطا ولا يعيد ، وإن طاف ابتداء فهو أحوط .
والثانية : يستأنف ، قال - في رواية
حرب - في
امرأة طافت ثلاثة أشواط ثم حاضت ، تقيم حتى تطوف ؟ قيل له : تبني على طوافها ؟ قال : لا تبتدئ . وقال - في رواية
أبي طالب - : إذا
طاف خمسا أو ستا ، ورجع إلى بلده : يعيد الطواف .
قال
أبو بكر عبد العزيز : لو طافت خمسا ثم حاضت بنت ، وقيل :
[ ص: 594 ] تبتدئ ، وهو اختياري ، وهذا هو الذي ذكره . . .
وقال القاضي - في المجرد -
وابن عقيل : إنه إن قطعه لعذر مثل سبق الحدث ، فعلى الروايات الثلاث ، وكذلك النسيان ، وإن قطعه لغير عذر وأطال ابتدأ ، وإن لم يطل بنى .
الشرط التاسع : أن يطوف بالبيت جميعه ، فلا يطوف في شيء منه ؛ لأن الله قال : " (
وليطوفوا بالبيت العتيق ) فإن
اخترق الحجر في طوافه أو الشاذروان - لم يصح .
قال
أحمد - في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم - فيمن طاف في الحجر فاخترقه - لا يجزئه ؛ لأن الحجر من البيت ، فإن كان شوطا واحدا أعاد ذلك الشوط ، وإن كان كل الطواف أعاده .
وكذلك نقل
حنبل فيمن طاف واخترق الحجر : لا يجزئه ويعيد ، ونقل حرب كذلك ؛ لأن الله أمر بالطواف بالبيت ، ومن سلك شيئا من البيت في طوافه لم يطف به كله ، وإنما طاف فيه .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : " من طاف بالبيت فليطف من وراء الحجر ، فإن الله يقول :
[ ص: 595 ] (
وليطوفوا بالبيت العتيق ) وقد طاف النبي - صلى الله عليه وسلم - من وراء الحجر" رواه . . .
nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم .
وعن
عمر قال : " لو أن الحجر لم يكن من البيت لما طيف به" .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة قالت : " الحجر من البيت" .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري قال : سمعت بعض علمائنا يقول : " إنما حجر الحجر فطاف الناس من ورائه إرادة أن يستوعب الناس الطواف بالبيت" رواهن
أحمد .
والأصل في ذلك : ما روى
nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم بن عبد الله ، أن
عبد الله بن محمد بن أبي بكر أخبر
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015815عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها : " ألم تري أن قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا على قواعد إبراهيم ، فقلت : يا رسول الله ، أفلا تردها على قواعد إبراهيم ؟ قال : لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت . قال عبد الله : لإن كانت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم " .
وفي رواية قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015816 " سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية - أو قال : بكفر - لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله ، ولجعلت بابها بالأرض ، ولأدخلت فيها من الحجر" [ ص: 596 ] وعن
عروة nindex.php?page=hadith&LINKID=16015817عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة قالت : " قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لولا حداثة قومك بالكفر لنقضت الكعبة ، ولجعلتها على أساس إبراهيم ، فإن قريشا حين بنت استقصرت ، ولجعلت لها خلفا" وفي رواية "يعني بابا" .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=13705الأسود nindex.php?page=hadith&LINKID=16015818عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة قالت : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الجدر أمن البيت هو ؟ قال : نعم ، قلت : فما لهم لم يدخلوه في البيت ؟ قال : إن قومك قصرت بهم النفقة ، قلت : فما شأن بابها مرتفعا ؟ قال : فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا ، ولولا أن قومك حديث عهد بجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم ، لنظرت أن أدخل الجدر في البيت ، وألصق بابه بالأرض" وفي رواية
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015819 : " الحجر" مكان الجدر . متفق عليهن .
وعن
يزيد بن رومان ، عن
عروة ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015820عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها : " يا nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم ، فأدخلت فيه [ ص: 597 ] ما أخرج منه ، وألزقته بالأرض ، ولجعلت لها بابين ، بابا شرقيا وبابا غربيا ، فبلغت به أساس إبراهيم ، فذلك الذي حمل
ابن الزبير على هدمه ، قال
يزيد : وشهدت
ابن الزبير حين هدمه وبناه وأدخل فيه من الحجر ، وقد رأيت أساس
إبراهيم حجارة كأسنمة البخت . قال
nindex.php?page=showalam&ids=15627جرير ابن حازم : فقلت له - يعني
يزيد - : أين موضعه ؟ فقال : أريكه الآن ، فدخلت معه الحجر ، فأشار إلى مكان فقال : هاهنا . قال
جرير : فحزرت من الحجر ست أذرع ، أو نحوها" رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
وعن
سعيد بن ميناء ، عن
عبد الله بن الزبير قال : حدثتني خالتي - يعني
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015821 "يا nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، لولا أن قومك حديثو عهد بشرك ، لهدمت الكعبة ، فألزقتها بالأرض ، وجعلت لها بابين ، بابا شرقيا وبابا غربيا ، وزدت فيها ستة أذرع من الحجر ، فإن قريشا اقتصرتها حين بنت الكعبة " رواه
مسلم .
[ ص: 598 ] وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء عن
ابن الزبير قال : إني سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة تقول : إن النبي - صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015822 " لولا أن الناس حديث عهدهم بكفر ، وليس عندي من النفقة ما يقوى على بنائه ، لكنت أدخلت فيه من الحجر خمس أذرع ، ولجعلت له بابا يدخل الناس منه ، وبابا يخرج الناس منه" رواه
مسلم .
وعن
الحارث بن عبد الله بن ربيعة أنه سمع
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة تقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015823 " إن قومك استقصروا من بنيان البيت ، ولولا حدثان عهدهم بالشرك : أعدت ما تركوا منه ، فإن بدا لقومك من بعدي أن يبنوه فهلمني لأريك ما تركوا منه ، فأراها قريبا من سبعة أذرع" رواه
مسلم .
الشرط العاشر : أن يطوف في المسجد الحرام ، فإن
طاف خارج المسجد لم يصح ، وإن طاف فيه جاز ، سواء كان بينه وبين البيت حائل مثل
زمزم وقبة السقاية ، أو طاف في الأروقة التي في جوانب المسجد ، أو طاف قريبا منه ، هذا قول . . . ، وعلى هذا القول فالمصحح للطواف : الكون في المسجد .
ولا فرق بين ما كان مسجدا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وبين ما زيد فيه على عهد
عمر ،
وبني أمية ،
وبني العباس .
[ ص: 599 ] وقال القاضي - في المجرد - : يجوز الطواف في المسجد وإن حال بينه وبين البيت
قبة زمزم وسقايته ؛ لأن الحائل في المسجد كلا حائل ، وإن طاف خارج المسجد لم يجزه ؛ لأن الحائل خارج المسجد يقطع حكم المسجد ، كما لو ائتم بالإمام في المسجد وبينهما سوره ، وعلى هذا فالمانع وجود الحائل ، فلو فرض زوال جدار المسجد صحت الصلاة خارجه .
وقال
ابن عقيل : إن تباعد عن البيت من غير عذر لم يمنع الإجزاء ؛ لأن هذه عبادة تتعلق بالبيت ، فلا يؤثر في إبطالها البعد مع مسامتته ، ومحاذاته كالصلاة .
وإن
طاف حول المسجد ، أو حول البيت وبينه وبين البيت جدار آخر : احتمل أن لا يجزئه ؛ لأنه لا يسمى طائفا بالبيت ، بل بالمسجد ، أو الجدار الذي هو حائل ؛ ولأن البقعة التي هي محال الطواف معتبرة ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015824 " خذوا عني مناسككم " فلا يجوز أن يجعل غير المطاف مطافا ؛ ولأنه لو سعى في مسامتة المسعى ، وترك السعي بين
الصفا والمروة لم يجزه ، كذلك هاهنا .
ووجه الأول : قوله تعالى : (
أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود ) فإنه يقتضي أن بيته معد للطائفين ، والعاكفين والمصلين ، وذلك يقتضي أن له أثرا في اختصا . . .
[ ص: 600 ] الفصل الثالث : أنه لا ركن إلا الوقوف
بعرفة ، والطواف طواف الزيارة ، وقد اختلفت عبارة أصحابنا في ذلك .
وأصل ذلك : أن
السعي بين الصفا والمروة هل هو ركن ؟ فيه روايتان ، فإن قلنا : ليس بركن فمن أصحابنا من يقول : هما ركنان ، كما ذكره الشيخ .
قال
أبو الحسن التيمي : فرض الحج فرضان لا ثالث لهما ، روى ذلك عن
أحمد والمروذي ،
وإسحاق بن إبراهيم ، وغيرهم ، ونقل عنه ابناه ،
وأبو الحارث ،
والفضل بن زياد ، أنه قال فيمن
وقف بعرفة وزار البيت يوم النحر ، وانصرف ولم يعمل غير ذلك : فحجته صحيحة وعليه دم . قال : وبهذا أقول .
وهذا قول
أبي بكر عبد العزيز .
قال
حرب : قيل
لأحمد : رجل حج فوقف
بعرفة ، ثم زار البيت يوم النحر ،
[ ص: 601 ] فمضى على وجهه ، ولم ينصرف إلى
منى ، ولم يرم الجمار ؟ قال : عليه دم ، وقال . . . القاضي ، وأصحابه ، وعامة المتأخرين من أصحابنا : أركانه ثلاثة بغير خلاف ؛ الإحرام ، والوقوف ، والطواف .
ومن أصحابنا من يحكي ذلك خلافا ، فيقول : الأركان ركنان في قول ، وثلاثة في قول ، وأربعة في قول ، ويعتقد أن المذهب مختلف في الإحرام كاختلافه في السعي .
قال
ابن أبي موسى : وفروض الحج أربعة فروض ، وهي الإهلال بالحج ، والوقوف
بعرفة ، وطواف الإفاضة ، والسعي بين
الصفا والمروة ، وروي عنه : أن السعي بين
الصفا والمروة ليس بواجب ، وروي عنه : أن فرض الحج فرضان ؛ هما الوقوف
بعرفة ، وطواف الإفاضة ، وما عداهما مسنون ، حتى أنه سئل عن
رجل حج فوقف بعرفة ، وطاف طواف الإفاضة ، وانصرف ولم يأت بغير ذلك ؟ فقال : عليه دم شاة ، وحجه صحيح .
واعلم أن الاختلاف في الإحرام اختلاف في عبارة ، وذلك أن
الإحرام يعنى به شيئان :
أحدهما : قصد الحج ونيته ، وهذا مشروط في الحج بغير خلاف ، فإن الحج لا يصح بغير نية بإجماع المسلمين ، وهذا المعنى هو الغالب على أصول أصحابنا ؛ لأن الإحرام ينعقد بمجرد النية .
فعلى هذا : منهم من يجعل هذا القصد ، والنية ركنا ، وهو الغالب على قول الفقهاء المصنفين في المذهب من أصحابنا ، وهو الجاري على أصول أحمد ؛ لأن العمرة عنده للشهر الذي أحرم فيه .
[ ص: 602 ] ومنهم من يجعله شرطا للحج بمنزلة الطهارة للصلاة ، وهو قول كثير من مصنفي الخلاف من أصحابنا ، ويشهد له من أصولنا : انعقاده قبل أشهر الحج ، وسقوط الفرض عن العبد والصبي إذا عتق وبلغ قبل الإفاضة من
عرفات ، وإن كان الإحرام قد انعقد قبل وجوب الحج ، فإن أركان العبادة لا تفعل قبل وجوبها ، ولا قبل دخول وقتها .
والتحقيق : أنه أصل منفرد بنفسه كما أن الحج عبادة مستقلة بنفسها ، وهو يشبه أركان العبادة من وجه ، وشروطها من وجه ، فإنه ركن مستدام إلى آخر العبادة .
المعنى الثاني للإحرام : هو التجرد عن المخيط وكشف الرأس ، واجتناب المحظورات . وهذا هو واجب ليس بركن ولا شرط . فمن فهم الإحرام هذا المعنى، قال : إن أركان الحج ركنان ، ومن فهم المعنى الأول قال : أركانه ثلاثة ، ومن اعتقد الإحرام شرطا قال : إن أركانه ركنان ، فعلى هذا قيل : الإحرام شرط ، وقيل : هو ركن ، وقيل : هو واجب على ما بيناه .