( فصل )
وهل يجب هذا
المبيت على أهل السقاية والرعاء ؟ قال ...
المسألة السادسة : أن من وافاها بعد جواز الإفاضة منها ; إما بعد منتصف الليل أو بعد مغيب القمر ، أو بعد طلوع الفجر - على ما مضى - أجزأه ذلك ولا دم عليه ، وسواء نزل بها ، أو لم ينزل .
قال - في رواية
أبي الحارث - فيمن أفاض من جمع بليل قبل طلوع الفجر ، فقال : إذا نزل بها ، أو مر بها ، فأرجو أن لا يكون عليه شيء ، إن شاء الله تعالى .
وقال
أبو طالب : قلت أليس من لم يقف بجمع عليه دم ؟ قال : نعم إذا لم يقف بجمع عليه دم ، لكن يأتي جمع فيمر قبل الإمام ، قلت : قبل الإمام يجزئه ، قال : نعم قد قدم النبي صلى الله عليه وسلم الضعفة .
[ ص: 620 ] المسألة السابعة : من لا عذر له فإنه يجوز أن يخرج منها قبل طلوع الفجر ، ويكون وقوفه الواجب مكثه بها قبل ذلك ، والمستحب وقوفه عند قزح قبل ذلك . هذا هو المذهب ، وقد نص عليه في رواية الجماعة .
قال - في رواية
حنبل - من لم يقف غداة
المزدلفة ليس عليه شيء .
وقال - في رواية
أبي طالب - : يأتي جمعا فيقف قبل الإمام يجزئه ، وقد تقدم نصه في رواية
حنبل ،
وأبي الحارث .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم : قيل
لأبي عبد الله : يدفع من
مزدلفة قبل الإمام ؟ قال :
المزدلفة عندي غير
عرفة ، وذكر حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه دفع قبل
ابن الزبير ، قيل
لأبي عبد الله كأن سنة
المزدلفة عندك غير سنة
عرفة ؟ قال : نعم ، واحتج على ذلك بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدم الضعفة ولم يشهدوا معه الموقف بجمع ، ولو كان الوقوف بالغداة واجبا ، لما سقط عن الظعن ولا غيرهم كالوقوف
بعرفة إلى غروب الشمس ، وكرمي الجمار وغير ذلك من الواجبات ، ولأنهم من حين يدخلون إلى
المزدلفة فهم في الموقف
بالمشعر الحرام إلى أن يخرجوا منها ، فجاز التعجيل منها لطول المقام بها رخصة وتخفيفا ، بخلاف
عرفات فإن الوقوف بها ليس بطويل .
ولأن الوقوف
بالمزدلفة ليس بمحدود المبتدأ ، فإن الناس يجيئون إليها على قدر سيرهم ، فجاز أن لا يكون محدود المنتهى ، فيخرجون منها كذلك بخلاف
عرفات ، يدخلونها وقت الزوال ، ويخرجون منها بعد الغروب . وهذا لأنه لما لم يتقيدوا بالإمام في مبتدأ الوقوف
بمزدلفة ، لم يتقيدوا به في منتهاه ،
وعرفة بخلاف ذلك .
وأيضا : فإن
عرفات كان المشركون يتعجلون منها ، فسن لنا مخالفتهم بإيجاب التأخير إلى غروب الشمس ، وكانوا يتأخرون بالمزدلفة إلى طلوع
[ ص: 621 ] الشمس فسن لنا التعجيل منها قبل ذلك مخالفة لهم ، فجاز أن يوسع وقت التعجيل وأن يفيض قبل الإمام ، لأن ذلك أبعد عن التشبه بهدي المشركين ، وهذا معنى قول
أحمد : سنة
عرفة غير سنة
المزدلفة .
وقد أجاب
أحمد عن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015840من صلى معنا هذه الصلاة ووقف معنا حتى تطلع الشمس فقد تم حجه وقضى تفثه " بأن منطوق الحديث لا إشكال فيه . وأما مفهومه ، فليس على عمومه ، إذ لا يجوز أن يكون معناه من لم يصل معنا ، ويقف إلى طلوع الشمس لم يتم حجه ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدم الضعفة ، ولم يصلوا معه ولم يقفوا .
وعمر - رضي الله عنه - : انتظر الأعرابي بين ظهراني المسلمين حتى جاء ولم يصل ، والناس يرون ذلك ، ولم ينكر أحد عليه فوت الصلاة ، وذلك لأن هذا مفهوم منطوق خرج جوابا عن سؤال سائل ، فإن
عروة بن مضرس : كان قد أدرك مع النبي - صلى الله عليه وسلم - : الصلاة والوقوف ، فذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم من هو في حاله : أن حجه تام ، ومثل هذا قد لا يكون له مفهوم ; لأن التخصيص بالذكر لأجل حال السائل . ومنه فائدة أخرى ، وهو أن من أدرك الصلاة فإنه يكون قد أدرك الوقوف
بعرفة قبل ذلك ، بخلاف من لم يدرك الصلاة ، فإنه قد لا يكون دخل
عرفة إلا بعد الفجر .
وفيه - أيضا - وجوب الوقوف مع الإمام على من لم يقف قبل طلوع الفجر ، على ما ذكرناه فيما تقدم .
ويتوجه وجوب
الوقوف بعد الفجر لغير أهل الأعذار ، لما روت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة قالت : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015841كانت nindex.php?page=showalam&ids=93سودة امرأة ضخمة ثبطة ، فاستأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن [ ص: 622 ] تفيض من جمع بليل ، فأذن لها ، فقالت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة : فليتني كنت استأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما استأذنته nindex.php?page=showalam&ids=93سودة ، وكانت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة إلا مع الإمام " .
وفي رواية :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015842وددت أني كنت استأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما استأذنته nindex.php?page=showalam&ids=93سودة ، فأصلي الصبح بمنى ، فأرمي الجمرة قبل أن يأتي الناس ، فقيل nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة : فكانت nindex.php?page=showalam&ids=93سودة استأذنته ؟ قالت : نعم ، إنها كانت ثقيلة ثبطة فاستأذنت لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأذن لها " ، وفي رواية : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015843استأذنت nindex.php?page=showalam&ids=93سودة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة المزدلفة تدفع قبله ، وقبل حطمة الناس ، وكانت امرأة ثبطة ، يقول nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم : والثبطة الثقيلة ، قالت : فأذن لها ، فخرجت قبل دفعه ، وحبسنا حتى أصبحنا ، فدفعنا بدفعه ، ولأن أكون استأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما استأذنته nindex.php?page=showalam&ids=93سودة ، فأكون أدفع بإذنه أحب إلي من مفروح به " متفق عليه .
فلو كان الإذن في الدفع قبل الإمام عاما للناس ، لم تستأذنه
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة nindex.php?page=showalam&ids=93لسودة ، ولو فهمت - وهي السائلة له - أن إذنه
nindex.php?page=showalam&ids=93لسودة إذن لكل الناس لم تتأسف على أنها لم تستأذنه لنفسها ، وهي أعلم بمعنى ما سألته وما أجابها ، وإنما كانت الرخصة مقصورة على ذي العذر ، فخشيت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أن لا تكون هي من جملة أولي الأعذار ، فبنت على الأصل .
وأيضا قول
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : " أرخص في أولئك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي لفظ :
[ ص: 623 ] "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015844لضعفة الناس " وقول
nindex.php?page=showalam&ids=64أسماء :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015845إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن للظعن " كل دليل على أن الإذن خاص بالظعن ، وأن المعروف المستقر بينهم أنه لا يجوز إفاضة أحد حتى يفيض الإمام ، حتى رويت الرخصة في الضعفاء ، ولا يلزم من الإذن للضعفة الإذن لغيرهم ; لأن تخصيص النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لهم بالذكر والإذن من بين سائر الناس دل على أن حكم غيرهم بخلاف ذلك .
ولأن الأصل
وجوب اتباعه في جميع المناسك بقوله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16015199خذوا عني مناسككم " لا سيما وفعله - صلى الله عليه وسلم - خرج امتثالا لقوله : (
فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ) والفعل إذا خرج امتثالا لأمر كان بمنزلته ، والأمر للوجوب . ولا يجوز أن يقال : فالذكر ليس بواجب ; لأن أمر الله في كتابه للوجوب ، لا سيما في العبادات المحضة ، وهناك ذكر واجب بالإجماع ، وهو صلاة الفجر
بمزدلفة ، على أنه يحتاج من قال : إن الذكر لا يجب إلى دليل .