صفحة جزء
مسألة :

" ويسن السواك عند تغير الفم وعند القيام من النوم وعند الصلاة ؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " ، ويستحب في سائر الأوقات إلا للصائم بعد الزوال " .

أما استحبابه في جميع الأوقات ، فلما روى أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " السواك مطهرة للفم مرضاة للرب " رواه أحمد . وعن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " السواك مطهرة للفم مرضاة للرب " . رواه أحمد والنسائي . وذكره [ ص: 217 ] البخاري تعليقا ؛ ولأن جميع الأوقات مظنة ما يطهر الفم منه من إدام وأكل ، وما يطهر له من كلام الله وكلام العباد ، ولذلك استحب مطلقا ويتأكد استحبابه لسببين أحدهما عند تغير الفم بمأكول أو خلوه من الطعام أو غير ذلك .

وكذلك عند القيام من الليل ، لما روى حذيفة قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك " . متفق عليه . يعني يغسله ويدلك . وفي لفظ : كنا نؤمر بالسواك إذا قمنا من الليل ؛ ولأن بالنوم ينطبق فمه فيحتبس فيه البخار المتصاعد من معدته فيغيره .

وكذلك إذا دخل منزله وقد قيل لعائشة : بأي شيء كان يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل منزله قالت : بالسواك . أخرجه مسلم .

وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان لا يرقد ليلا ولا نهارا ، فيستيقظ إلا تسوك قبل أن يتوضأ " . رواه أبو داود . وأما إذا تغير طعمه أو ريحه أو اصفر لون الأسنان من مطعوم أو خلو من الطعام أو غير [ ص: 218 ] ذلك فلما روى تمام بن العباس قال : أتوا النبي صلى الله عليه وسلم أو أتى فقال : " ما لي أراكم تأتوني قلحا ، استاكوا " رواه أحمد .

ولأن السواك إنما شرع لتطييب الفم وتطهيره وتنظيفه ؛ فإذا تغير فقد تحقق السبب المقتضي له فكان أولى منه عند النوم .

والسبب الثاني : إذا أراد الصلاة لما روى أبو هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " . رواه الجماعة . وعن عائشة قالت : قال رسول الله عليه وسلم " فضل الصلاة بالسواك على الصلاة بغير السواك سبعون صلاة " . رواه أحمد وليس بواجب ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل ترك الأمر بالمشقة فلو كان أمر إيجاب لحصلت المشقة في وجوبه ، وفي وجوبه على النبي صلى الله عليه وسلم وجهان : أحدهما : كان واجبا عليه ، قال القاضي وابن عقيل .

[ ص: 219 ] لما روى عبد الله بن حنظلة - الغسيل - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر فلما شق ذلك عليه " أمر بالسواك لكل صلاة ووضع عنه الوضوء إلا من حدث " . رواه أحمد وأبو داود وهو مأمور بالتوضؤ لكل صلاة أمر استحباب ؛ فعلم أن الموضوع وجوبه ، والسواك بدل عنه فيكون واجبا ، والثاني : لم يكن واجبا عليه قاله ابن حامد لما روى واثلة بن الأسقع قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أمرت بالسواك حتى خشيت أن يكتب علي " رواه أحمد .

وهذا معنى تفضيله على التحديد وهو مزية الأمر حتى كاد يصير مفروضا ، وهذا الوجه أشبه ، فإن الأصل مشاركة أمته له في الأحكام . وإنما استحب للمصلي لأن القائم إلى الصلاة يقرأ القرآن ويذكر الله ويدعوه فاستحب له تطهير الفم ؛ لأنه مجرى القرآن ؛ ولئلا يؤذي الملائكة والآدميين بريح فمه ؛ ولأن [ ص: 220 ] الله يحب المتطهرين ، وكذلك يستحب لكل قارئ وذاكر وداع ، كما يستحب لهم الوضوء ، وأوكد وقد جاء : " طهروا أفواهكم بالسواك فإنها مجاري القرآن " وكذلك السواك عند الوضوء ؛ لأنه به وبالمضمضة تكمل نظافة الفم .

وقد روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء " . رواه أحمد وذكره البخاري تعليقا ، قال : ويروى نحوه عن جابر وزيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وأما الصائم بعد الزوال فيكره له في أظهر الروايتين ، وفي الأخرى لا [ ص: 221 ] يكره ، ولا يستحب على هذه الرواية أيضا ، وقيل : يستحب لما روي عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من خير خصال الصائم السواك " . رواه ابن ماجه ، وقال عامر بن ربيعة : " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم " . رواه أحمد وأبو داود ، والترمذي وقال : حديث حسن ، وذكره البخاري تعليقا .

ولأنه أحد طرفي النهار فأشبه أوله ، والأولى ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك " متفق عليه . وخلوف الصوم إنما يظهر غالبا بعد الزوال فتكره إزالته ؛ لأنه أثر عبادة ؛ مستطاب في الشرع فنهي عن إزالته كدم الشهيد ، وما قبل الزوال إنما يكون خلوفه من أثر النوم أو الأكل بالليل ، فلم تكره إزالته ، وعلى ذلك يحمل ما جاء من الحديث ، ويستحب أن يكون السواك عودا لينا يطيب الفم ولا يضره ، ولا يتفتت فيه كالأراك والزيتون والعرجون .

[ ص: 222 ] ويكره بعود الريحان والرمان والآس ؛ لأن ذلك يضر الفم ، يقال : إن الرمان يضر لحم الفم ، ويهيج الدم ، وعود الريحان يحرك عرق الجذام ، فأما اليابس فيجرح ، وأما الرطب فيتفتت ، وأما الندي فيحصل المقصود ، ويستحب غسله إذا اجتمع عليه ما يغسله ; لأن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم " يعطيني السواك لأغسله فأبدأ به فأستاك ثم أغسله وأدفعه إليه " . رواه أبو داود . ولا بأس أن يتسوك بسواك غيره وإن لم يغسله .

قالت عائشة : دخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك يستن فيه فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له : أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن فأعطانيه فقصمته ثم مضغته فأعطيته رسول الله صلى الله عليه وسلم " فاستن به " رواه البخاري . فإن استاك بأصبعه أو بخرقة فقيل لا يصيب السنة ؛ لأن الشرع لم يرد به مع غلبة وجوده وتيسره ، وقيل : يصيب من السنة بقدر ما يحصل من الإنقاء ؛ لأنه ينظف الفم ويزيل تغيره أو تجففه كالعود ، وقيل : يجزئ الأصبع مع الماء في المضمضة ؛ لأن في حديث علي بن أبي طالب لما وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تمضمض ثلاثا فأدخل بعض أصابعه في فيه . رواه أحمد في المسند . وعن أنس أن رجلا من بني عمرو بن عوف قال : يا رسول الله إنك رغبتنا في السواك فهل من دون ذلك من شيء ، فقال : " أصابعك سواك عند وضوئك ، أمرها على أسنانك إنه لا عمل [ ص: 223 ] لمن لا نية له ولا أجر لمن لا حسبة له " . رواه أبو جعفر بن البحتري الرزاز . وسمع أبو هريرة رجلا يقول لم أتسوك منذ ثلاثة أيام ، فقال : " لو أمررت أصبعك على أسنانك في وضوئك كان بمنزلة السواك " . رواه حرب في مسائله .

والسنة أن يستاك على عرض الأسنان ؛ لما روى عطاء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا استكتم استاكوا عرضا وإذا شربتم فاشربوا مصا " . رواه سعيد في سننه وأبو داود في مراسيله وعن ربيعة بن أكثم [ ص: 224 ] قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم " يستاك عرضا ويشرب مصا ويقول هذا أهنأ وأمرأ " . رواه أبو بكر الشافعي في الغيلانيات . وقال الخطابي : الشوص دلك الأسنان عرضا بالسواك ونحوه ؛ ولأن الاستياك على طول الأسنان من طرفها إلى عمودها ربما آذى اللثة وأفسد العمود ويستحب الاستياك على لسانه ؛ لأن أبا موسى قال : أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته يستاك على لسانه متفق عليه ، ويستحب التيامن في سواكه أن يبدأ بالجانب الأيمن ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يعجبه التيامن في طهوره وفي شأنه كله " وأن يستاك باليد اليسرى نص عليه [ ص: 225 ] لأنه إماطة أذى يفعل بإحدى اليدين فكان باليسرى كالاستنجاء مع استحباب الابتداء بالشق الأيمن فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية