فصل :
يكره أن
يلبس الخف وهو حاقن كما يكره أن يصلى بهذه الطهارة ، وطرد ذلك مس المصحف والطواف بها لأن الحدث القريب إذا لم يكن كالحاصل في المنع فلا أقل من الكراهة ، وإذا قلنا : إن
سؤر البغل والحمار مشكوك فيه فتطهر منه ثم لبس ثم أحدث ثم توضأ منه وتيمم وصلى صحت صلاته ؛ لأن الماء إذا كان طاهرا فقد صلى بطهارة وضوء صحيح ، وإن كان نجسا فقد صلى بالتيمم وفي هذه لبس على طهارة لا تجوز الصلاة بها والطهارة أربعة أنواع : غسل ، ومسح ، وتيمم ، وطهارة المستحاضة ، فإذا لبسه على طهارة غسل فلا شبهة فيه وإذا لبسه على طهارة مسح فهو على ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يلبس خفا على طهارة مسح الخف مثل أن يلبس خفا أو جوربا فيمسح عليه ، ثم يلبس فوقه خفا أو جرموقا فلا يجوز المسح عليه ؛ لأن هذه الطهارة لا يمسح بها ثلاثة أيام ؛ لأن ما مضى محسوب من المدة ، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما أباح المسح على طهر مسح ثلاث ؛ ولأن الخف التحتاني بدل عن الرجل والبدل لا يكون له بدل ، بخلاف ما إذا لبس الفوقاني قبل أن " يحدث " فإنه لم يتعلق به حكم البدل فجاز أن يمسح
[ ص: 282 ] ويجوز أيضا أن يمسح التحتاني ويدعه ، كما يجوز أن يغسل الرجل في الخف ، وإذا مسح الفوقاني ثم نزعه فهو كما لو بدت رجله في أشهر الروايتين ؛ لأن المسح تعلق بالفوقاني وحده فصار التحتاني " كاللفافة " بخلاف ما إذا نزعه قبل المسح أحدث أو لم يحدث ، فإن المسح عليه جائز ولبس الفوقاني لم يضره شيء ، وفي الأخرى لا يلزمه نزع التحتاني بل يتطهر عليه إما بمجرد مسحه أو تكميل الطهارة كما لا يلزمه نزع التحتاني كما لو كان هو الممسوح دون الفوقاني ، ولو لبس الفوقاني بعد أن أحدث وقبل أن يمسح على التحتاني فهو أحرى أن لا يجوز لأنه لبسه " على غير طهارة " .
ولا يشبه بهذا أن يخيط على الخف جلدة ؛ لأن هنا خفين منفصلين وهذا كله إذا كان الخفان صحيحين ، فإن كان التحتاني مخرقا والفوقاني صحيحا مسح عليه كما لو لبسه على لفافة ، وإن كان التحتاني صحيحا والفوقاني مخرقا فالمنصوص من الوجهين جواز المسح عليه ؛ لأن خروقه مستورة .
والثاني : لا يجوز كما لو كان تحته لفافة ، وعنه أنه كالجوارب مع النعل فإن ثبت الصحيح بالمخروق جاز المسح عليهما كما تقدم في الجورب مع النعل ، وإن ثبت الصحيح بنفسه مسح عليه خاصة ، ولو كانا مخرقين ، وقلنا
يمسح على المخرق فوق الصحيح فهنا وجهان :
أحدهما : يمسح أيضا كالجورب الثابت بنعل .
والثاني : لا يمسح كالمخرق فوق اللفافة .
القسم الثاني : أن
يلبس خفا أو عمامة على طهارة مسح الجبيرة فهذا يجوز له المسح ؛ لأن هذه الطهارة تقوم مقام الغسل من كل وجه حتى في الحدث الأكبر ؛ لأنه لا يقدر إلا عليها والجبيرة بمنزلة جلده .
[ ص: 283 ] الثالث : أن
يلبس خفا على طهارة مسح العمامة أو بالعكس ، أو يشد جبيرة على طهارة مسح أحدهما ، ونقول باشتراط الطهارة في الجبيرة ففيه وجهان :
أحدهما : لا يجوز له المسح ؛ لأنه لبس على طهارة ناقصة من غير ضرورة أشبه ما لو لبس الخف على خف ممسوح أو لبس العمامة على قلنسوة ممسوحة ، وجوزنا المسح عليها .
والثاني : الجواز بناء على أن طهارة المسح ترفع الحدث كما تقدم ، والنص يتناول ذلك بعمومه وإنما امتنع في الملبوس مع الممسوح ؛ لأنه بدل البدل ، ولبعض المدة المعتبرة شرعا كما تقدم ، وأما إذا لبسه على طهارة تيمم لم يكن له المسح عليه ؛ لأن التيمم لا يرفع الحدث بعد لبسه مع بقاء الحدث ؛ ولأنه إذا وجد الماء ظهر حكم الحدث السابق قبل لبسه فيكون في التقدير قد لبس وهو محدث ؛ لأنه إنما جعلناه متطهرا في ما لا يستمر حكمه كالصلاة والطواف ومس المصحف للضرورة ولا إلى المسح بعد وجود الماء ؛ لأنه يتمكن من غسل رجليه ولبس الخف حينئذ ، وهذا إنما يكون فيمن يتيمم لعدم الماء ، وأما من تيمم خوف الضرر باستعماله لجرح أو قرح فإنه إذا لبس الخف على هذه الطهارة ينبغي أن يكون كالمستحاضة ، وتعليل أصحابنا يقتضي ذلك ، وأما الطهر الذي معه حدث دائم كالمستحاضة ونحوها فإنها إذا لبست الخف على طهارتها تمسح يوما وليلة في الحضر وثلاثة أيام ولياليهن في السفر ، نص عليه ولا تتقيد بالوقت الذي يجوز لها أن تصلي فيه بتلك الطهارة كطهارة ذي الحدث المنقطع ؛ لأن هذه الطهارة كاملة في حقها ، وإنما وجب عليها أن تتوضأ لكل صلاة ؛ لأن الطهارة فرض لكل صلاة وهي قادرة على ذلك بخلاف اللبس فإنه إنما تشترط له الطهارة حين ابتدأه وقد كانت طهارته حكما ، والفرق بينهما وبين التيمم أنه لما وجد الماء زالت ضرورته فظهر حكم الحدث السابق ، ومظنة ذلك أن ينقطع دمها في ابتداء المدة الانقطاع المعتبر فإن ضرورتها قد زالت فكذلك قلنا هنا تبطل طهارتها من أصلها حتى يلزمها استئناف الوضوء ؛ لأن الحدث السابق ظهر عمله كما يلزم المتيمم إذا وجد الماء .
[ ص: 284 ] وقال القاضي في الجامع : " إنما تمسح على الخف ما دامت في الوقت فتنتفع بذلك لو أحدثت بغير الحدث الدائم ، فأما بعد خروج الوقت فلا تستبيح المسح كما لا تستبيح الصلاة " .
والأول أصح قال
أحمد : "
المستحاضة تمسح على خفها " وقال أيضا : " الذي به الرعاف إذا لم ينقطع وهو يتوضأ لكل صلاة أرجو أن يجزئه أن يمسح على خفيه " .