( الشرح ) مذهبنا أنه لا يجوز الجمع بين فريضتين بتيمم سواء كانتا في وقت أو وقتين قضاء أو أداء ، ولا بين طوافين مفروضين ولا طواف وصلاة [ ص: 339 ] مفروضين ، ويتصور هذا في الجريح والمريض ، وسواء في هذا الصحيح والمريض والصبي والبالغ ، وهذا كله متفق عليه إلا وجها حكاه الرافعي عن حكاية الحناطي : أنه يجوز الجمع بين فوائت بتيمم وبين فائتة ومؤداة ، وإلا وجها حكاه الدارمي أن للمريض جمع فريضتين بتيمم ، وإلا وجها حكاه صاحب البحر والرافعي أنه يصح جمع الصبي فريضتين بتيمم ، وهذه الأوجه شاذة ضعيفة والمشهور ما سبق . ولو جمع منذورتين ، أو منذورات بتيمم أو منذورة ومكتوبة أو منذورات . قال القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب والمحاملي وابن الصباغ وآخرون من العراقيين : لا يجوز قطعا ; لأن المنذورة واجبة متعينة فأشبهت المكتوبة ، وقال الخراسانيون والماوردي والدارمي من العراقيين : في جوازه وجهان أصحهما عند الجميع : لا يجوز . وبعضهم يقول : قولان . قال الخراسانيون : هما مبنيان على أن النذر يسلك به مسلك أقل واجب الشرع ؟ أم أقل ما يتقرب به ؟ وفيه قولان . فإن قلنا بالثاني جاز كالنافلة وإلا فلا كالمكتوبة ، وأما ركعتا الطواف ، فإن قلنا بالصحيح : إنهما سنة فلهما حكم النوافل ، فيجوز الجمع بينهما وبين مكتوبة بتيمم ، وإن قلنا : إنهما واجبتان لم يجز الجمع بينهما وبين فريضة أخرى ، وهل يجوز بينهما وبين الطواف ؟ فيه طريقان .
( أحدهما ) : لا ; لأنهما فرضان ، يفتقر كل واحد منهما إلى نية ( والطريق الثاني ) وبه قطع إمام الحرمين البغوي والرافعي : أنهما على وجهين أصحهما : لا يجوز ، ( والثاني ) : يجوز ، وهو قول ابن سريج وبه قطع صاحبا الحاوي والتتمة ; لأنها تابعة للطواف ، فهي كجزء منه وهذا ضعيف ; لأنها لو كانت كالجزء لم يجز الفصل بينها وبين الطواف وقد اتفقوا على أنه لو أخر ركعتي الطواف عنه سنين ، ثم صلاهما جاز والله أعلم .
ولو صلى فريضة بتيمم ثم طاف به تطوعا جاز ، فلو أراد أن يصلي به ركعتي هذا الطواف فهو على الطريقتين إن قلنا بالوجه الضعيف : إن ركعتي طواف التطوع واجبة لم يجز ، وإن قلنا بالمذهب : إنها سنة جاز قطعا . قال البغوي وغيره : وفي جواز الجمع بين خطبة الجمعة وصلاتها وجهان كالطواف ; لأنها تابعة للصلاة ، هذا إذا شرطنا الطهارة في خطبة الجمعة ، وهو الأصح والله أعلم . [ ص: 340 ]
( فرع ) في مذاهب العلماء فيما يباح بالتيمم الواحد من فرائض الأعيان . مذهبنا : أنه لا يباح إلا فريضة واحدة ، وبه قال أكثر العلماء . وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=11وابن العباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر والشعبي nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=15885وربيعة nindex.php?page=showalam&ids=17314ويحيى الأنصاري nindex.php?page=showalam&ids=0016867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وإسحاق .
وحكي عن nindex.php?page=showalam&ids=15990ابن المسيب والحسن والزهري nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=17376ويزيد بن هارون أنه يصلي به فرائض ما لم يحدث ، قال : وروي هذا أيضا عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وأبي جعفر ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور : يجوز أن يجمع فوائت بتيمم ولا يصلي به بعد خروج الوقت فريضة أخرى هذا ما حكاه nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر . وقال nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود : يجوز فرائض بتيمم واحد كما قال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة وموافقوه ، قال الروياني في الحلية : وهو الاختيار وهو الأشهر من مذهب nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد خلاف ما نقله عنه nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر ، واحتج لمن جوز فرائض بتيمم واحد ، بقوله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=14479الصعيد الطيب وضوء المسلم ما لم يجد الماء } وهو حديث صحيح سبق بيانه ، وبالقياس على الوضوء وعلى الجمع بين نوافل بتيمم وعلى مسح الخف ; ولأن الحدث الواحد لا يجب له طهران . واحتج أصحابنا بقوله تعالى : { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } إلى قوله تعالى : { فلم تجدوا ماء فتيمموا } فاقتضى وجوب الطهارة عند كل صلاة ، فدلت السنة على جواز صلوات بوضوء فبقي التيمم على مقتضاه ، واحتجوا بحديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس المذكور في الكتاب ، ولكنه ضعيف رواه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي وضعفاه ; فإنه من رواية الحسن بن عمارة ، وهو ضعيف ، واحتج nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي بما رواه عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما قال : " يتيمم لكل صلاة وإن لم يحدث " . قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : إسناده صحيح قال : وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=59وعمرو بن العاص ، ولأنهما مكتوبتان فلا تباحان بطهارة ضرورة كصلاتي وقتين في حق المستحاضة ; ولأنها طهارة ضرورة فلا يباح بها إلا قدر الضرورة . والجواب عن احتجاجهم بالحديث : أن معناه يستبيح بالتيمم صلاة بعد صلاة بتيممات ، وإن استمر ذلك عشر سنين حتى يجد الماء .
هذا معناه عند [ ص: 341 ] جميع العلماء ، وعن قياسهم على الوضوء : أنه طهارة رفاهية يرفع الحدث ، والتيمم طهارة ضرورة فقصرت على الضرورة . وعن النوافل أنها تكثر ويلحق المشقة الشديدة في إعادة التيمم لها فخفف أمرها لذلك ، كما خفف بترك القيام فيها مع القدرة وبترك القبلة في السفر ، ولا مشقة في الفرائض ، ولهذا المعنى فرق الشرع بين قضاء الصوم والصلاة في الحائض ، وعن مسح الخف بأنه طهارة قوية ، يرفع الحدث عن معظم الأعضاء بالاتفاق ، وكذا عن الرجل على الأصح ، والتيمم بخلافه ، ولأن مسح الخف تخفيف ولهذا يجوز مع إمكان غسل الرجل ، والتيمم ضرورة لا يباح إلا عند العجز ، فقصر على الضرورة ، وعن قولهم : الحدث الواحد لا يوجب طهارتين أن الطهارة هنا ليست للحدث بل لإباحة الصلاة ، فالتيمم الأول أباح الصلاة الأولى والثاني الثانية والله أعلم .