( أما حكم المسألة ) ففي مباشرة الحائض بين السرة والركبة ثلاثة أوجه . أصحها عند جمهور الأصحاب : أنها حرام ، وهو المنصوص nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي رحمه الله في الأم والبويطي وأحكام القرآن ، قال صاحب الحاوي : وهو قول أبي العباس nindex.php?page=showalam&ids=12535وأبي علي بن أبي هريرة ، وقطع به جماعة من أصحاب المختصرات . واحتجوا له بقوله تعالى : { فاعتزلوا النساء في المحيض } وبالحديث المذكور ; ولأن ذلك تحريم للفرج ، ومن يرعى حول الحمى يوشك أن يخالط الحمى وأجاب القائلون بهذا عن حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس المذكور : بأنه محمول على القبلة ولمس [ ص: 393 ] الوجه واليد ونحو ذلك مما هو معتاد في غالب الناس ، فإن غالبهم إذا لم يستمتعوا بالجماع استمتعوا بما ذكرناه لا بما تحت الإزار . والوجه الثاني : أنه ليس بحرام ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق المروزي حكاه صاحب الحاوي عن أبي علي بن خيران ، ورأيته أنا مقطوعا به في كتاب اللطيف لأبي الحسن بن خيران من أصحابنا ، وهو غير أبي علي بن خيران ، واختاره صاحب الحاوي في كتابه الإقناع والروياني في الحلية ، وهو الأقوى من حيث الدليل لحديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس رضي الله عنه فإنه صريح في الإباحة .
وأما مباشرة النبي صلى الله عليه وسلم فوق الإزار فمحمولة على الاستحباب جمعا بين قوله صلى الله عليه وسلم وفعله ، وتأول هؤلاء الإزار في حديث nindex.php?page=showalam&ids=2عمر على أن المراد به الفرج بعينه ونقلوه عن اللغة ، وأنشدوا فيه شعرا ، وليست مباشرة النبي صلى الله عليه وسلم فوق الإزار تفسيرا للإزار في حديث nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه بل هي محمولة على الاستحباب كما سبق . والوجه الثالث : إن وثق المباشر تحت الإزار بضبط نفسه عن الفرج لضعف شهوة أو شدة ورع جاز ، وإلا فلا ، حكاه صاحب الحاوي ومتابعوه عن أبي الفياض البصري ، وهو حسن ، ونقل nindex.php?page=showalam&ids=13272أبو علي السنجي nindex.php?page=showalam&ids=14958والقاضي حسين والمتولي في المسألة قولين بدل الوجهين الأولين . قال nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي : الجديد التحريم والقديم الجواز ثم على قول من لا يحرمه هو مكروه ، وصرح به المتولي وغيره .
هذا حكم الاستمتاع بما بين السرة والركبة . أما ما سواه فمباشرتها فيه حلال بإجماع المسلمين ، نقل الإجماع فيه nindex.php?page=showalam&ids=11976الشيخ أبو حامد والمحاملي في المجموع وابن الصباغ والعبدري وآخرون ، وأما ما حكاه صاحب الحاوي عن nindex.php?page=showalam&ids=16536عبيدة السلماني الإمام التابعي - وهو بفتح العين وكسر الباء - من أنه لا يباشر شيء من بدنه شيئا من بدنها فلا أظنه يصح عنه ، ولو صح فهو شاذ مردود بالأحاديث الصحيحة المشهورة في مباشرته صلى الله عليه وسلم فوق الإزار ، وإذنه في ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=13542اصنعوا كل شيء إلا النكاح } وبإجماع من قبله ومن بعده والله أعلم .
ثم لا فرق بين أن يكون على الموضع الذي يستمتع به فوق الإزار شيء [ ص: 394 ] من دم الحيض أو لا ، وحكى المحاملي في التجريد وجماعة من المتأخرين وجها : أنه إن كان عليه شيء من دم الحيض حرم ; لأنه أذى ، وهذا الوجه شاذ وغلط ، والصواب الأول ، وبه قطع الأصحاب في جميع الطرق لعموم الأحاديث ; ولأن الأصل الإباحة حتى يثبت دليل ظاهر في التحريم وقياسا على ما لو كان عليها نجاسة أخرى .
وأما الاستمتاع بنفس السرة والركبة وما حاذاهما فلم أر فيه نصا لأصحابنا ، والمختار الجزم بجوازه لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=13542اصنعوا كل شيء إلا النكاح } ويحتمل أن يخرج على الخلاف في كونهما عورة ، إن قلنا عورة كانتا كما بينهما ، وإن قلنا - بالمذهب : إنهما ليستا عورة أبيحا قطعا كما وراءهما والله أعلم .
( فرع ) في مذاهب العلماء في المباشرة فيما بين السرة والركبة بغير وطء ، وقد ذكرنا الخلاف في مذهبنا ودلائله ، وممن قال بتحريمها nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=0016867ومالك ، وحكاه nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس nindex.php?page=showalam&ids=16097وشريح nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=16049وسليمان بن يسار nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة ، وحكاه البغوي عن أكثر أهل العلم ، وممن قال بالجواز عكرمة nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد والشعبي nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي والحكم nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد بن الحسن nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وأصبغ المالكي nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود ، ونقله عنهم العبدري وغيره ، وتقدم دليل الجميع والله أعلم .
( فرع ) إذا قلنا : تحرم المباشرة بين السرة والركبة ففعله متعمدا مختارا عالما بالتحريم أثم ولا كفارة عليه بلا خلاف ، صرح به الماوردي وغيره وهو ظاهر ، فإن إيجاب الكفارة على القديم إنما كان لذلك الحديث الضعيف وليس هنا حديث ولا هو في معناه ، فإن الوطء حرام بالإجماع ويكفر مستحله وهذا بخلافه ، والله أعلم .