قال المصنف : رحمه الله تعالى ( وفي الدم الذي تراه الحامل قولان : أحدهما : أنه حيض ; لأنه دم لا يمنعه الرضاع فلا يمنعه الحمل كالنفاس ، والثاني : أنه دم فساد ; لأنه لو كان ذلك حيضا لحرم الطلاق وتعلق به انقضاء العدة ) .
[ ص: 412 ] الشرح ) يقال : الرضاع والرضاع بفتح الراء وكسرها فيهما ، وامرأة حامل وحاملة ، والأول أشهر وأفصح ، فإن حملت على رأسها أو ظهرها فحاملة لا غير ، والدم مخفف الميم على اللغة المشهورة ، وفيه لغة شاذة بتشديدها .
( أما حكم المسألة ) فإذا رأت الحامل دما يصلح أن يكون حيضا فقولان مشهوران قال صاحب الحاوي والمتولي والبغوي وغيرهم : الجديد أنه حيض ، والقديم : ليس بحيض ، واتفق الأصحاب على أن الصحيح أنه حيض ، فإن قلنا : ليس بحيض فهو دم فساد كما ذكر المصنف ، وهل يسمى استحاضة ؟ فيه خلاف سبق ، وسواء قلنا استحاضة أو دم فساد هو حدث ينقض الوضوء ، فإن لم يستمر فهو كالبول ، فلها أن تصلي بالوضوء الواحد صلوات ، وإن استمر فلها حكم الاستحاضة المستمرة وسيأتي بيانها في آخر الباب إن شاء الله تعالى . قال الدارمي في الاستذكار : " اختلف أصحابنا في محل القولين فمنهم من قال : هما إذا رأت الدم في أيام عادتها وعلى صفة دم الحيض ، فإن رأته في غير أيام الحيض أو رأت صفرة أو كدرة فليس بحيض قولا واحدا ، ومنهم من قال : لا فرق ، بل الخلاف جار في كل ما يجوز أن يكون حيضا لغير الحامل ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12535أبو علي بن أبي هريرة : القولان إذا قلنا للحمل حكم ، فإن قلنا : لا حكم له فهو حيض قولا واحدا ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11817أبو إسحاق : القولان جاريان سواء قلنا له حكم أم لا ، قال : واختلفوا أيضا فمنهم من قال : القولان إذا مضى للحمل أربعون يوما وما رأته قبل ذلك حيض قولا واحدا ، ومنهم من قال : القولان في الجميع ، هذا آخر كلام الدارمي وقال الشاشي : إذا قلنا : الحامل لا تحيض فمن متى ينقطع حيضها ؟ وجهان : الصحيح بنفس العلوق ، والثاني : من وقت حركة الحمل .
( قلت : ) الصحيح المشهور جريان القولين بنفس العلوق ، وفي جميع الأحوال التي ذكرها الدارمي وأما قول المصنف : أحدهما أنه حيض ; لأنه دم لا يمنعه الرضاع ولا يمنعه الحمل كالنفاس فمعناه أن المرضع لا تحيض [ ص: 413 ] غالبا وكذا الحامل ، فلو اتفق رؤية الدم في حال الرضاع كان حيضا بالاتفاق فكذا في حال الحمل فهما سواء في الندور . فينبغي أن يكونا سواء في الحكم بأنهما حيض . وأما قوله : كالنفاس فمراده إذا ولدت ولدين بينهما دون ستة أشهر ورأت الدم بينهما وقلنا : إنه نفاس فهذه حامل ومرضع ودمها نفاس ، ومعناه أن النفاس لا يمنعه الرضاع والحمل ، والحيض لا يمنعه الرضاع ، فينبغي أن لا يمنعه الحمل كما قلنا في النفاس ، قال صاحب البيان في مشكلات المهذب : مراده الاستدلال على nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله ; لأنه يقول : دم الحامل ليس بحيض والدم بين الولدين نفاس ، فقاس على ما وافق عليه ، قال القلعي : وقوله : لا يمنعه الرضاع ليس باحتراز بل للدلالة على الحكم والتقريب من الأصل والله أعلم .
فإن قلنا : لا تتداخل كانت معتدة عن الطلاق فلو حاضت على الحمل فهل يحسب أطهارها في الحمل عن عدة الشبهة ؟ فيه وجهان ، أصحهما : يحسب ، فعلى هذا يكون حيض الحامل مؤثرا في انقضاء العدة ولا يحسن إطلاق القول بأنه لا تنقضي به العدة إلا أن يقيد بما قيدناه به أولا والله أعلم . [ ص: 414 ] فرع ) إذا قلنا : دم الحامل حيض فانقطع ثم ولدت بعد انقطاعه بخمسة عشر يوما فصاعدا فلا شك في كونه حيضا ، وإن ولدت قبل مضي خمسة عشر ففي كونه حيضا وجهان مشهوران ، وقد ذكرهما المصنف في فصل النفاس ، ( أصحهما ) باتفاق أنه حيض ، ; لأنه دم بصفة الحيض ، وإنما يشترط أن يكون بين الدمين خمسة عشر إذا كانا دمي حيض ، ولهذا قال المصنف والأصحاب : أقل طهر فاصل بين الحيضتين خمسة عشر . قال المتولي : وعلى هذا لو رأت النفاس ستين يوما ثم انقطع ثم عاد الدم ، فإن عاد بعد خمسة عشر فهو حيض ، وإن عاد قبلها فهل يجعل الثاني حيضا ؟ فيه هذان الوجهان ، أحدهما : لا ; لنقصان ما بينهما عن طهر كامل ، وأصحهما : نعم لاختلافهما .
( فرع ) إذا قيل : إذا جعلتم دم الحامل حيضا لم يبق وثوق بانقضاء العدة ، والاستبراء بالحيض لاحتمال الحيض على الحمل ، فالجواب أن الغالب أنها لا تحيض ، فإذا حاضت حصل ظن براءة الرحم ، وذلك كاف في العدة والاستبراء ، فإن بان خلافه على الندور عملنا بما بان والله أعلم .
( فرع ) في مذاهب السلف في حيض الحامل ، وقد ذكرنا أن الأصح عندنا أن الدم الذي تراه حيض . وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة nindex.php?page=showalam&ids=0016867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث وقال nindex.php?page=showalam&ids=15990ابن المسيب والحسن nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=16920ومحمد بن المنكدر وعكرمة nindex.php?page=showalam&ids=11867وجابر بن زيد والشعبي nindex.php?page=showalam&ids=17134ومكحول والزهري والحكم وحماد nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور nindex.php?page=showalam&ids=12074وأبو عبيد nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر : ليس بحيض ، ودليل المذهبين في الكتاب ، ومما يستدل به للصحيح في كونه حيضا أنه دم بصفات دم الحيض وفي زمن إمكانه ; ولأنه متردد بين كونه فسادا لعلة أو حيضا ، والأصل السلامة من العلة . وأما قول القائل الآخر : لو كان حيضا لانقضت العدة به ففاسد ; لأن العدة لطلب براءة الرحم ، ولا تحصل البراءة بالأقراء مع وجود الحمل ; ولأن العدة تنقضي به في بعض الصور كما سبق بيانه ، وأما قوله : لو كان حيضا لحرم الطلاق ، فجوابه أن تحريم طلاق الحائض إنما كان لتطويل العدة ولا تطويل هنا ; لأن عدتها بالحمل والله أعلم .