[ ص: 510 ] قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن كانت ذاكرة للوقت ناسية للعدد نظرت فإن كانت ذاكرة لوقت ابتدائه بأن قالت : كان ابتداء حيضي من أول يوم من الشهر حيضناها يوما وليلة من أول الشهر لأنه يقين ، ثم تغتسل بعده وتحصل في طهر مشكوك فيه إلى آخر الخامس عشر فتصلي وتغتسل لكل صلاة لجواز انقطاع الدم ، وما بعده طهر بيقين إلى آخر الشهر فتتوضأ لكل فريضة . وإن كانت ذاكرة لوقت انقطاعه بأن قالت : كان حيضي ينقطع في آخر الشهر قبل غروب الشمس حيضناها قبل ذلك يوما وليلة وكانت طاهرا من أول الشهر إلى آخر الخامس عشر ، تتوضأ لكل فريضة لأنه لا يحتمل انقطاع الحيض ولا يجب الغسل إلا في آخر الشهر في الوقت الذي تيقنا انقطاع الحيض فيه . وإن قالت : كان حيضي في كل شهر خمسة عشر يوما ، وكنت أخلط أحد النصفين بالآخر أربعة عشر في أحد النصفين ويوما في الآخر ولا أدري أن اليوم في النصف الأول أو الأربعة عشر ، فهذه يحتمل أن يكون اليوم في النصف الثاني والأربعة عشر في النصف الأول فيكون ابتداء الحيض من اليوم الثاني من الشهر وآخره تمام السادس عشر ، ويحتمل أن يكون اليوم في النصف الأول والأربعة عشر في النصف الثاني ، فيكون ابتداء الحيض من أول الخامس عشر وآخره التاسع والعشرون ، فاليوم الأول والآخر من الشهر بيقين والخامس عشر والسادس عشر حيض بيقين ، ومن الثاني إلى الخامس عشر طهر مشكوك فيه ، ومن أول السابع عشر إلى آخر التاسع والعشرين طهر مشكوك فيه ، فتغتسل في آخر السادس عشر وفي آخر التاسع والعشرين لأنه يحتمل انقطاع الدم فيهما ، وعلى هذا التنزيل والقياس فإن قالت : كان حيضي خمسة عشر يوما وكنت أخلط اليوم وأشك هل كنت أخلط بأكثر من يوم ؟ فالحكم فيه في المسألة قبلها إلا في شيء واحد ، وهو أن ههنا يلزمها أن تغتسل لكل صلاة بعد السادس عشر لجواز أن يكون الخلط بأكثر من يوم ، فيكون ذلك الوقت وقت انقطاع الحيض ، إلا أن تعلم انقطاع الحيض في وقت بعينه من اليوم فتغتسل فيه في مثله ) .
( الشرح ) أما المسألتان الأوليان فيما إذا ذكرت الابتداء والانقطاع فظاهرتان حكمهما ما ذكره . إلا أن قوله في الثانية قالت : كان حيضي ينقطع في آخر الشهر قبل غروب الشمس ينكر عليه ، وصوابه حذف قوله : قبل غروب الشمس ليصح ما ذكره بعده من الحكم ، فإنه لو انقطع قبل آخر الشهر بلحظة لم ينته الطهر إلى آخر الخامس عشر ، بل يجب ترك لحظة من آخره ويجب الحكم بالحيض في لحظة من آخر التاسع والعشرين أما إذا قالت : كان حيضي من كل شهر خمسة عشر يوما وكنت أخلط أحد النصفين [ ص: 511 ] بالآخر ، أربعة عشر في أحد النصفين ويوما في النصف الآخر ; ولا أدري هل اليوم في النصف الأول والأربعة عشر في النصف الآخر ؟ أو الأربعة عشر في الأول واليوم في الآخر ؟ فاليوم الأول والآخر طهر بيقين ، والخامس عشر والسادس عشر حيض بيقين ، ومن أول الثاني إلى آخر الرابع عشر مشكوك فيه لا يحتمل الانقطاع ، فتتوضأ فيه لكل فريضة وتغتسل في أول ليلة السابع عشر لاحتمال الانقطاع في آخر السادس عشر ثم تتوضأ بعد ذلك ولا تغتسل إلا في آخر التاسع والعشرين ، فالحاصل أن لها يومين طهرا بيقين الأول والأخير ، ويومين حيضا وهما الخامس عشر والسادس عشر . وعليها غسلان ولها زمنان مشكوك فيهما وتتوضأ فيهما ، وهما ما بين الثاني والخامس عشر ، وما بين السادس عشر والأخير ، فإن طافت أو قضت فائتة في أحد الشكين لم يجزها ، فإن طافت أو قضت في الشكين جميعا أجزأها قطعا ، لأن أحدهما طهر بيقين .
قال الدارمي في الاستذكار : فإن طلقها زوجها في أول يوم من شهر انقضت عدتها في الخامس عشر من الشهر الثالث ، وإن أرادت قضاء ما فاتها من رمضان وهو خمسة عشر صامت شهرا غير يومي الحيض وأجزأها قطعا . لأنه يحصل لها يوما الطهر مع أحد الشكين . أما إذا قالت : حيضي خمسة عشر أخلط أحد النصفين بالآخر بيومين لا أعرف أيهما اليومان ؟ واليومان الأولان واليومان الآخران طهر بيقين ، والرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر حيض بيقين وتغتسل عقيب التاسع عشر والثامن والعشرين وتتوضأ سوى ما ذكرنا . ولو قالت : حيضي خمسة عشر أخلط بثلاثة فلها ثلاثة في أوله وثلاثة من آخره طهر بيقين وستة حيض ، أولها الثالث عشر وتغتسل عقيب الثامن عشر والسابع والعشرين ، وهكذا كلما زاد الخلط يوما زاد يقين الحيض يومين في الوسط وزاد يقين الطهر يوما في كل طرف . ولو قالت : حيضي أربعة عشر أخلط منها بيوم فالأولان والآخران طهر بيقين والخامس عشر والسادس عشر حيض بيقين فتغتسل عقيب السادس عشر والثامن والعشرين وتتوضأ لما سواه . ولو قالت : حيضي ثلاثة أيام من الشهر وكنت أخلط أحد النصفين بالآخر بيوم فالثلاثة عشر الأولى والثلاثة عشر الأخيرة طهر بيقين ، والخامس عشر والسادس عشر حيض ، والرابع عشر والسابع عشر مشكوك فيهما ، فتتوضأ فيهما وتغتسل عقيب السادس عشر [ ص: 512 ] والسابع عشر لأن الانقطاع في آخر أحدهما . ولو قالت : كنت أحيض خمسة عشر أخلط أحد النصفين بالآخر بيوم ، ولا أدري هل كنت أخلط بأكثر من يوم أم لا ، فحكمها حكم من قالت أخلط بيوم فقط ، ولا يخالفها إلا في شيء واحد ، وهو أن هذه يلزمها أن تغتسل بعد السادس عشر لكل فريضة إلى آخر التاسع والعشرين لجواز أن يكون الخلط بأكثر من يوم ، إلا أن تعلم انقطاع الحيض في وقت بعينه ، فتغتسل كل يوم في ذلك الوقت فقط .
ولو قالت : كنت أحيض خمسة عشر يوما أخلط أحد النصفين بالآخر بجزء فقط فلها جزء من أول الليلة الأولى ، وجزء من آخر اليوم الأخير طهر بيقين ، لا تترك بسبب هذين الجزأين صلاة ، ويبطل صوم الخامس عشر لحصول الحيض في آخره ، ولا يجب الغسل إلا في موضعين : ( أحدهما ) بعد جزء من أول ليلة السادس عشر ( والثاني ) إذا بقي جزء من اليوم الأخير من الشهر وتتوضأ فيما سواهما ، ولو كانت المسألة بحالها وقالت لا أدري هل كنت أخلط بجزء أم بأكثر ؟ فحكمها حكم التي قبلها إلا في الغسل ، فإنه يلزمها هنا أن تغتسل لكل فريضة بعد مضي جزء من السادس عشر إلى أن يبقى جزء من آخر الشهر لاحتمال الخلط بأكثر من جزء . ولو قالت : حيضي أربعة عشر يوما ونصف يوم ، والكسر في أول حيض ، وكنت أخلط أحد النصفين بالآخر بيوم ، فالأول ونصف الثاني طهر ، ومن نصف الثاني إلى آخر السادس عشر حيض وما بعده طهر . ولا تغتسل إلا في آخر السادس عشر ، وحكم الصوم والعدة في هذه المسائل على ما سبق في أول هذا الفصل .
( فرع ) قالت : حيضي ثلاثة أيام من إحدى عشرات الشهر ، فليس لها حيض ولا طهر بيقين فتصلي بالوضوء ثلاثا من أول كل عشرة وتغتسل بعد ذلك إلى آخر كل عشرة ، ويحرم وطؤها ما دام هذا حالها ، فإن أرادت طوافا طافت مرتين بينهما يومان فصاعدا ، أو طافت في يومين متلاصقين من طرفي عشرتين ، وإن طلقت في أول شهر انقضت عدتها يوم الثامن والعشرين من الشهر الثالث ، ولو كان حيضها أربعا أو خمسا أو ستا أو سبعا أو ثمانيا أو تسعا من إحدى عشرات الشهر فليس لها حيض ولا طهر بيقين وتصلي [ ص: 513 ] بالوضوء من أول كل عشرة قدر أيام حيضها وتغتسل بعده لكل فريضة إلى آخر كل عشرة .
( فرع ) قالت كنت أحيض خمسة من الشهر ثلاثة منها من إحدى خمسات الشهر ويومين من الخمسة التي تليها ولا أعلم هل اليومان من الخمسة المتقدمة ؟ أم من المتأخرة ؟ فليس لها في الشهر حيض متيقن زمانه ، واليومان الأولان والآخران من الشهر بيقين ، وباقي الشهر مشكوك فيه ، وتغتسل عشرة أغسال عقب السابع والثامن والثاني عشر والثالث عشر والسابع عشر والثامن عشر والثاني والعشرين والثالث والعشرين والسابع والعشرين والثامن والعشرين ، وتتوضأ فيما سوى هذه الأوقات لأن الانقطاع لا يتصور في غيرها وهو محتمل فيها لأنه يحتمل أن الثلاثة من الخمسة الأولى واليومين من الثانية فينقطع في آخر السابع ، ويحتمل عكسه فينقطع في آخر الثامن ، ويحتمل أن الثلاثة من الثانية واليومين من الثالثة فينقطع في آخر الثاني عشر ، ويحتمل عكسه فينقطع في آخر الثالث عشر وباقي التقديرات ظاهر وإن شئت قلت : لا غسل عليها في الخمسة الأولى وتغتسل عقب الثاني والثالث من كل خمسة .
( فرع ) قالت : كان حيضي يومين من العشرة الأولى من الشهر وكنت أخلط نهار إحدى الخمستين بالأخرى بلحظة فمن أول الشهر إلى مضي لحظة من أول النهار الرابع طهر بيقين ، وتتوضأ بعده حتى يبقى لحظة من آخر الخامس ، وتلك اللحظة من ليلة السادس ولحظة من أول نهار السادس حيض بيقين ، وتغتسل بعد هذه اللحظة لكل فريضة حتى يبقى لحظة من آخر السابع ، وتلك اللحظة وما بعدها إلى آخر الشهر طهر بيقين وتغتسل في هذه اللحظة .
( فرع ) قالت : لا أعرف قدر حيضي ولكن أعلم أني كنت أخلط شهرا بشهر فلحظة من أول الشهر ولحظة من آخره حيض بيقين ، وتغتسل بعد اللحظة الأولى حتى تبقى لحظة من آخر الخامس عشر ، وتلك اللحظة مع لحظة من أول ليلة السادس عشر طهر بيقين ثم تتوضأ حتى تبقى لحظة من آخر الشهر . [ ص: 514 ]
( فرع ) قالت : حيضي عشرة وأخلط أحد نصفي الشهر بالآخر بيوم فستة أيام من أول الشهر وستة من آخره طهر بيقين ، والخامس عشر والسادس عشر حيض بيقين ، وتغتسل عقب السادس عشر والرابع والعشرين وتتوضأ لما سوى المذكور .
( فرع ) قالت : حيضي خمسة من الشهر منها السادس أو السادس والعشرون فالأول طهر بيقين ، ومن الحادي عشر إلى آخر الحادي والعشرين طهر أيضا ، وتغتسل عقب السادس لكل فريضة إلى آخر العاشر وعقب السادس والعشرين إلى آخر الشهر وتتوضأ فيما سوى ذلك .
( فرع ) قالت : حيضي ثلاثة أيام لا أعلمها ، وكان حيضي من أول النهار ، وصامت رمضان كله فعليها قضاء ثلاثة أيام ، فإن شاءت صامت ستة متوالية وأجزأها ، وإن أرادت تقليل الصوم فأقل ما يجزيها صيام أربعة أيام متفرقة بين كل يومين يومان فتصوم الأول والرابع والسابع والعاشر فيحصل ثلاثة قطعا لأنه على كل تقدير لا يبطل إلا يوم .
ولو قالت : حيضي خمسة أيام من الشهر ، ولا أعلم متى كان يبتدئ الدم ، وصامت رمضان فسد ستة [ ص: 515 ] أيام لاحتمال الطرءان له نصف النهار ، فتصوم له بعده اثني عشر متتابعة يحصل لها منها ستة على كل تقدير ، فإن أرادت تفريق القضاء وتقليل الصوم صامت يوما ، وأفطرت خمسة ثم صامت يوما وأفطرت خمسة . وكذا مرة ثالثة ورابعة وخامسة فتكون قد صامت من الشهر خمسة أيام يحصل لها منها أربعة على كل تقدير ، يبقى يومان فتصومهما من ثلاثة عشر ، تصوم الأول والسابع والثالث عشر ، وأما قول الغزالي في البسيط والوسيط في هذه المسألة : تقضي خمسة أيام فمنكر ظاهر وكأنه تابع الفوراني فيه فغلطا .
( فرع ) قال nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب : كل موضع قلنا عليها الوضوء لكل فريضة فلها صلاة النافلة . وكل موضع قلنا : الغسل لكل فريضة لم يجز النافلة إلا بالغسل أيضا هذا كلامه وفيه نظر ، ويحتمل أن تستبيح النافلة بغسل الفريضة والله أعلم .
( فرع ) هذا الذي ذكرناه في هذا الفصل من تنزيل المسائل وأحكامها هو المذهب المشهور المعروف الذي تطابقت عليه فرق الأصحاب واتفقت عليه طرقهم ، وشذ عنهم صاحب الحاوي فذكر طريقة عجيبة مخالفة للأصحاب والدليل ، فقال : إذا قالت : لي في كل شهر حيضة لا أعلم قدرها ، فلها حكم المبتدآت في أن تحيض في أول كل شهر ، وفي قدره قولان .
( أحدهما ) يوم وليلة ( والثاني ) ست أو سبع ثم الزمن المردود إليه من يوم وليلة أو ست أو سبع حيض بيقين وما بعد الخمسة عشر طهر بيقين وما بينهما مشكوك فيه ، ثم فرع على هذه الطريقة مسائل كثيرة وهذه طريقة شاذة مردودة ، وإنما ذكرتها لأنبه على فسادها لئلا يغتر بها والله أعلم .