قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وإن دخلت في الصلاة ثم انقطع دمها ففيه وجهان : ( أحدهما ) : لا تبطل صلاتها كالمتيمم إذا رأى الماء في الصلاة ، ( والثاني ) : تبطل ; لأن عليها طهارة حدث وطهارة نجس ، ولم تأت من طهارة النجس بشيء وقد قدرت عليها فلزمها الإتيان بها ، وإن انقطع دمها قبل الدخول في الصلاة لزمها غسل الدم وإعادة الوضوء ، فإن لم تفعل حتى عاد الدم فإن كان عود الدم بعد الفراغ من الصلاة لم تصح صلاتها ; لأنه اتسع الوقت للوضوء والصلاة من غير حدث ولا نجس ، وإن كان عوده قبل الفراغ من الصلاة ففيه وجهان : ( أحدهما ) : تصح لأنا تيقنا بعود الدم أن الانقطاع لم يكن له حكم ; لأنه لا يصلح للطهارة والصلاة .
[ ص: 557 ] والثاني ) : وهو الأصح أن صلاتها باطلة ; لأنها استفتحت الصلاة وهي ممنوعة منها فلم تصح بالتبيين ، كما لو استفتح لابس الخف الصلاة وهو شاك في انقضاء مدة المسح ثم تبين أن المدة لم تنقض ) .
( الشرح ) : قال أصحابنا رحمهم الله : إذا توضأت المستحاضة فانقطع دمها انقطاعا محققا حصل معه برؤها وشفاؤها من علتها ، وزالت استحاضتها نظر إن حصل هذا خارج الصلاة فإن كان بعد صلاتها فقد مضت صلاتها صحيحة وبطلت طهارتها فلا تستبيح بها بعد ذلك نافلة ، وإن كان قبل الصلاة بطلت طهارتها ولم تستبح تلك الصلاة ولا غيرها ، هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور .
وحكى إمام الحرمين وجها أنه إذا اتصل الشفاء بآخر الوضوء لم تبطل .
قال الإمام : وهذا لا يعد من المذهب وحكى صاحب الحاوي وجها أنها إذا شفيت وقد ضاق وقت الصلاة عن الطهارة ولم يبق إلا ما يسع الصلاة وحدها ولم تكن صلتها فلها أن تصليها بهذه الطهارة قال : وهذا ضعيف ; لأن التيمم يبطل برؤية الماء قبل الصلاة وإن ضاق وقتها ، وهذان الوجهان شاذان مردودان .
واعلم أن قول الأصحاب : إذا شفيت يلزمها استئناف الوضوء ، المراد به إذا خرج منها دم في أثناء الوضوء أو بعده وإلا فلا يلزمها الوضوء بل تصلي بوضوئها الأول بلا خلاف ، وصرح به الغزالي في البسيط وغيره . أما إذا حصل الانقطاع في نفس الصلاة ففيه الوجهان المذكوران في الكتاب ( الصحيح ) منهما باتفاق الأصحاب بطلان صلاتها وطهارتها .
( والثاني ) : لا تبطل كالمتيمم ، والصواب الأول ، وقد سبق في باب التيمم أن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله نص على بطلان صلاة المستحاضة دون المتيمم ، وأن من الأصحاب من نقل وخرج فجعل في كل مسألة قولين ، وقرر الجمهور النصين وفرقوا بوجهين : أحدهما أن حدثها ازداد بعد الطهارة ، والثاني أنها مستصحبة للنجاسة وهو يخالفها فيها وحكى الشيخ أبو محمد عن أبي بكر الفارسي أنه حكى قولا عن الربيع عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنها تخرج من الصلاة وتتوضأ وتزيل النجاسة وتبني على صلاتها ، وهذا يكون بناء على القول القديم في سبق الحدث ، والله أعلم .
هذا حكم انقطاع الشفاء ، أما إذا توضأت ثم انقطع دمها وهي تعتاد [ ص: 558 ] الانقطاع والعود أو لا تعتاد لكن أخبرها بذلك من يعتمد من أهل المعرفة فينظر إن كانت مدة الانقطاع يسيرة لا تسع الطهارة والصلاة التي تطهرت لها ، فلها الشروع في الصلاة في حال الانقطاع ولا تأثير لهذا الانقطاع ; لأن الظاهر عود الدم على قرب فلا يمكنها إكمال الطهارة والصلاة بلا حدث ، فلو امتد الانقطاع على خلاف عادتها أو خلاف ما أخبرت به تبينا بطلان طهارتها ووجب قضاء الصلاة .
أما إذا كانت مدة الانقطاع تسع الطهارة والصلاة فيلزمها إعادة الوضوء بعد الانقطاع لتمكنها منه في حال الكمال ، فلو عاد الدم على خلاف العادة قبل التمكن ففي وجوب إعادة الوضوء وجهان ، أصحهما : لا يجب فلو شرعت في الصلاة بعد هذا الانقطاع من غير إعادة الوضوء ثم عاد الدم قبل الفراغ وجب قضاء الصلاة في أصح الوجهين ; لأنها حال الشروع كانت شاكة في بقاء الطهارة وصحة الصلاة .
هذا كله إذا عرفت عود الدم ، أما إذا انقطع وهي لا تدري أيعود أم لا وأخبرها به من تثق بمعرفته فتؤمر بإعادة الوضوء في الحال ، ولا يجوز أن تصلي بالوضوء السابق ; لأنه يحتمل أن هذا الانقطاع شفاء ، والأصل دوام هذا الانقطاع ، فإن عاد الدم قبل إمكان فعل الطهارة والصلاة فوجهان : ( أصحهما ) : أن الوضوء صحيح بحاله ; لأنه لم يوجد انقطاع عن الصلاة مع الحدث .
( والثاني ) : يجب الوضوء نظرا إلى أول الانقطاع ، ولو خالفت أمرنا أولا وشرعت في الصلاة من غير إعادة الوضوء ، فإن لم يعد الدم لم تصح صلاتها لظهور الشفاء ، وكذا إن عاد بعد إمكان الوضوء والصلاة لتفريطها ، فإن عاد قبل الإمكان ففي وجوب إعادة الصلاة الوجهان كما في الوضوء ، لكن الأصح هنا وجوب الإعادة ; لأنها شرعت مترددة ، وعلى هذا لو توضأت بعد الانقطاع وشرعت في الصلاة ثم عاد الدم فهو حدث جديد ، فيلزمها أن تتوضأ وتستأنف الصلاة والله أعلم .
فهذا المجموع الذي ذكرناه هو المعروف في طرق الأصحاب وذكره الرافعي ثم قال : هذا هو الذي ذكره معظم أصحابنا العراقيين وغيرهم قال : وبينه وبين كلام الغزالي بعض الاختلاف فإنه جعل الانقطاع قسمين : ( أحدهما ) : ألا يبعد من عادتها عود الدم ، ( والثاني ) : أن يبعد وذكر التفصيل والخلاف .
وهذان القسمان يفرضان في التي لها عادة بالعود ، قال : [ ص: 559 ] وما حكيناه عن الأصحاب يقتضي جواز الشروع في الصلاة متى كان العود معتادا بعد أو قرب ، وإنما يمتنع الشروع من غير استئناف الوضوء إذا لم يكن العود معتادا أصلا قال : فيجوز أن يؤول كلامه على ما ذكره المعظم ولا يبعد أن يلحق ندرة العود وبعده في عادتها بعدم اعتياد العود والله أعلم .
( فرع ) قال المتولي : لو كان دمها ينقطع في حال ويسيل في حال ، لزمها الوضوء والصلاة في وقت انقطاعه ، إلا أن تخاف فوت الوقت فتتوضأ وتصلي في حال سيلانه ، فإن كانت ترجو الانقطاع في آخر الوقت ولا تتحققه فهل الأفضل تعجيل الصلاة في أول الوقت أم تأخيرها إلى آخره ؟ فيه وجهان بناء على القول في مثله في التيمم .
( فرع ) توضأت ثم انقطع دمها انقطاعا يوجب بطلان الطهارة ، فتوضأت بعد ذلك ودخلت في الصلاة فعاد الدم بطل وضوءها ولزمها استئنافه وهل يجب استئناف الصلاة أم يجوز البناء ؟ فيه القولان فيمن سبقه الحدث ، الصحيح : وجوب الاستئناف ، قال البغوي : ولو كان به جرح غير سائل فانفجر في خلال الصلاة أو ابتدأت الاستحاضة في خلال الصلاة ، وجب الانصراف من الصلاة لغسل النجاسة وتتوضأ المستحاضة وتستأنف الصلاة ، ويجيء قول في البناء كما سبق في الحدث والله أعلم .