( الشرح ) الخمر نجس عندنا ، وعند nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وسائر العلماء إلا ما حكاه القاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب وغيره عن nindex.php?page=showalam&ids=15885ربيعة شيخ nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود أنهما قالا : هي طاهرة وإن كانت محرمة كالسم الذي هو نبات وكالحشيش المسكر ، ونقل الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد الإجماع على نجاستها ، واحتج أصحابنا بالآية الكريمة ، قالوا : ولا يضر قرن الميسر والأنصاب والأزلام بها مع أن هذه الأشياء طاهرة ; لأن هذه الثلاثة خرجت بالإجماع فبقيت الخمر على [ ص: 582 ] مقتضى الكلام ، ولا يظهر من الآية دلالة ظاهرة ; لأن الرجس عند أهل اللغة القذر ولا يلزم من ذلك النجاسة ، وكذا الأمر بالاجتناب لا يلزم منه النجاسة وقول المصنف : ولأنه يحرم تناوله من غير ضرر فكان نجسا كالدم لا دلالة فيه لوجهين .
( أحدهما ) أنه منتقض بالمني والمخاط وغيرهما كما ذكرنا قريبا .
( والثاني ) : أن العلة في منع تناولهما مختلفة فلا يصح القياس ; لأن المنع من الدم لكونه مستخبثا ، والمنع من الخمر لكونها سببا للعداوة والبغضاء وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة كما صرحت به الآية الكريمة ، وأقرب ما يقال ما ذكره الغزالي أنه يحكم بنجاستها تغليظا وزجرا عنها قياسا على الكلب وما ولغ فيه والله أعلم .
واعلم أنه لا فرق في نجاسة الخمر بين الخمر المحترمة وغيرها ، وكذا لو استحال باطن حبات العنب خمرا فإنه نجس ، وحكى إمام الحرمين والغزالي وغيرهما وجها ضعيفا أن الخمر المحترمة طاهرة ووجها أن باطن حبات العنب المستحيل طاهرة ، وهما شاذان والصواب النجاسة .
وأما النبيذ فقسمان مسكر وغيره ، فالمسكر نجس عندنا وعند جمهور العلماء وشربه حرام وله حكم الخمر في التنجيس والتحريم ووجوب الحد ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة وطائفة قليلة : هو طاهر ويحل شربه ، وفي رواية عنه يجوز الوضوء به في السفر ، وقد سبق في باب المياه بيان مذهبنا ومذهبه ، والدلائل من الطرفين مستقصاة ، وقد أثبتت الأحاديث الصحيحة الذي يقتضي مجموعها الاستفاضة أو التواتر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=28821كل مسكر خمر وكل مسكر حرام } وهذه الألفاظ مروية في الصحيحين من طرق كثيرة وحكى صاحب البيان وجها أن النبيذ المسكر طاهر لاختلاف العلماء في إباحته ، وهذا الوجه شاذ في المذهب ، وليس هو بشيء .
وأما القسم الثاني من النبيذ فهو ما لم يشتد ولم يصر مسكرا ، وذلك كالماء الذي وضع فيه حبات تمر أو زبيب أو مشمش أو عسل أو نحوها فصار حلوا ، وهذا القسم طاهر بالإجماع يجوز شربه وبيعه ، وسائر التصرفات فيه ، وقد تظاهرت الأحاديث في الصحيحين من طرق متكاثرة على طهارته وجواز شربه .
ثم إن مذهبنا ومذهب الجمهور جواز شربه ما لم يصر مسكرا وإن جاوز ثلاثة أيام ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد رحمه الله : لا يجوز بعد ثلاثة أيام .
ودليلنا حديث nindex.php?page=showalam&ids=134بريدة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=29287كنت نهيتكم عن الانتباذ إلا في سقاء فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكرا } رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، فهذا عام يتناول ما فوق ثلاثة أيام ولم يثبت نهي في الزيادة فوجب القول بإباحة ما لم يصر مسكرا وإن زاد على الثلاث ، والجواب عن الروايات التي احتج بها nindex.php?page=showalam&ids=12251لأحمد أنه ليس فيها دليل على تحريم بعد الثلاثة بل فيها دليل على أنه ليس بحرام بعد ثلاثة ; لأنه " كان يسقيه الخادم ، ولو كان حراما لم يسقه ، وإنما معنى الحديث : أنه صلى الله عليه وسلم كان يشربه ما لم يصر مسكرا فإذا مضت ثلاثة أيام أو نحوها امتنع من شربه ثم إن كان بعد ذلك قد صار مسكرا أمر بإراقته ; لأنه صار نجسا محرما ولا يسقيه الخادم ; لأنه حرام على الخادم كما هو حرام على غيره ، وإن كان لم يصر مسكرا سقاه الخادم ولا يريقه ; لأنه حلال ومال من الأموال المحترمة ، ولا يجوز إضاعتها ، وإنما ترك صلى الله عليه وسلم شربه ، والحالة هذه تنزها واحتياطا كما { nindex.php?page=hadith&LINKID=16713ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل الضب وأكلوه بحضرته ، وقيل له : أحرام هو ؟ قال : لا ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه } .
وقد حصل مما ذكرناه أن لفظة : أو ، في قوله : سقاه الخادم أو أمر به فصب ، ليست للشك ولا للتخيير بل للتقسيم واختلاف الحال ، وقد أوضحت هذا الحديث ، وما يتعلق بالمسألة في شرح صحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم رحمه الله وبالله التوفيق .
وأما الأحاديث [ ص: 584 ] المشهورة في الصحيحين عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وغيره رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=38488نهى عن الانتباذ في الدباء والحنتم } وهي جرار خضر وقيل : كل الجرار ، والنقير وهي الخشبة المنقورة من النخل ، والمزفت ، والمقير وهو المطلي بالزفت والقار فهي المنسوخة بحديث nindex.php?page=showalam&ids=134بريدة الذي قدمناه قريبا ، وقد بسطت ذلك بدلائله في أول شرح صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، ثم في شرح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وبالله التوفيق .