قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ولا يطهر من النجاسات بالاستحالة إلا شيئان : ( أحدهما ) : جلد الميتة [ إذا دبغ ] ، وقد دللنا عليه في موضعه ( والثاني ) : الخمر إذا استحالت بنفسها خلا فتطهر بذلك لما روي عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه أنه خطب فقال : " لا يحل خل من خمر قد أفسدت حتى يبدأ الله إفسادها ، فعند ذلك يطيب الخل ، ولا بأس أن يشتروا من أهل الذمة خلا ما لم يتعمدوا إلى إفساده " ولأنه إنما حكم بنجاستها للشدة المطربة الداعية إلى الفساد ، وقد زال ذلك من غير نجاسة خلفتها ، فوجب أن يحكم بطهارتها ) .
( الشرح ) : أما قوله لا يطهر بالاستحالة إلا شيئان فقد يورد عليه ثلاثة أشياء وهي العلقة والمضغة إذا نجسناهما ، فإنهما يطهران بمصيرهما حيوانا ، والثالث البيضة في جوف الدجاجة الميتة إذا حكمنا بنجاستها فإنها تطهر بمصيرها فرخا بلا خلاف ، كما سبق في باب الآنية ، ويجاب عن البيضة بأنها نجسة العين ، وإنما تنجست بالمجاورة . وأما العلقة والمضغة ففرعهما على الأصح ، وهو طهارتهما . وقد سبق بيانهما قريبا فاكتفي به . وأما قول nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه فآخره قوله : ( يتعمدوا إلى إفساده ) وقد رواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي دون قوله : ولا بأس أن يشتروا إلى آخره .
[ ص: 593 ] قوله : أفسدت هو بضم الهمزة ومعناه خللت ، وقوله : حتى يبدأ الله إفسادها هو بفتح الياء من يبدأ وبهمز آخره ، ومعنى هذا الكلام أن الخمر إذا خللت فصارت خلا لم يحل ذلك الخل ، ولكن لو قلب الله الخمر خلا بغير علاج آدمي حل ذلك الخل ، وهذا معنى قوله : يبدأ الله إفسادها يعني بإفسادها جعلها خلا ، وهو إفساد للخمر ; وإن كان صلاحا لهذا المائع من حيث إنه صار حلالا ومالا .
وأما قوله : ولا بأس أن يشتروا من أهل الذمة خلا ، فمعناه أنه يباح ذلك ، ولا يمتنع لكونهم كفارا لا يوثق بأقوالهم ، بل يباح كما تباح ذبائحهم وغيرها من أطعمتهم ، وقد قال الله تعالى : { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } وهذا يتناول الخل وغيره ولا يقبل دعوى أكثر المفسرين ومن تابعهم في تخصيصهم ذلك بالذبائح وممن تابعهم المصنف في أول باب الربا ، والصواب ما ذكرناه ، وقوله : من غير نجاسة خلفتها هو بتخفيف اللام أي جاءت بعدها .
( أما حكم المسألة ) فإذا استحالت الخمر خلا بنفسها طهرت وسأذكر فرعا مشتملا على نفائس من أحكام التخلل والتخليل إن شاء الله تعالى .