. قال المصنف رحمه الله تعالى ( ومن وجبت عليه الصلاة وامتنع من فعلها فإن كان جاحدا لوجوبها - فهو كافر ويجب قتله بالردة ; لأنه كذب الله تعالى في خبره ، وإن تركها وهو معتقد لوجوبها وجب عليه القتل ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني يضرب ولا يقتل ، والدليل [ ص: 15 ] على أنه يقتل قوله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=12874نهيت عن قتل المصلين } ولأنه إحدى دعائم الإسلام لا تدخله النيابة بنفس ولا مال فيقتل بتركها كالشهادتين ، ومتى يقتل ؟ فيه وجهان قال nindex.php?page=showalam&ids=13785أبو سعيد الإصطخري : يقتل بترك الصلاة الرابعة إذا ضاق وقتها فيقال له : إن صليت وإلا قتلناك ; لأنه يجوز أن يكون ما دون ذلك تركها لعذر . وقال إسحاق يقتل بترك الصلاة الثانية إذا ضاق وقتها ، ويقال له : إن صليت وإلا قتلناك ويستتاب كما يستتاب المرتد ; لأنه ليس بأكثر من المرتد وفي استتابة المرتد قولان ، ( أحدهما ) : ثلاثة أيام ، ( والثاني ) يستتاب في الحال فإن تاب وإلا قتل ، وكيف يقتل ؟ المنصوص أنه يقتل ضربا بالسيف . وقال أبو العباس لا يقصد قتله لكن يضرب بالخشب وينخس بالسيف حتى يصلي أو يموت كما يفعل بمن قصد النفس أو المال ، ولا يكفر بترك الصلاة ; لأن الكفر بالاعتقاد ، واعتقاده صحيح ، فلم يحكم بكفره ، ومن أصحابنا من قال يكفر بتركها لقوله صلى الله عليه وسلم " بين الكفر " والعبد ترك الصلاة فمن تركها فقد كفر " والمذهب الأول والخبر متأول . )
أما قول المصنف : ( لأنه إحدى دعائم الإسلام لا تدخله النيابة بنفس ولا مال فيقتل بتركها كالشهادتين ) فالضمير في قوله : ( لأنه ) يعود إلى [ ص: 16 ] فرض الصلاة المعلوم من سياق الكلام وإن لم يذكر بلفظه ، والدعائم : القواعد واحدتها : دعامة بكسر الدال ، وقوله : لا تدخله النيابة بنفس ولا مال احتراز من الزكاة والصوم والحج فإنه لا يقتل بترك واحد منها ولا بتركها كلها .
( وأما حكم الفصل ) ففيه مسائل ( إحداها ) إذا ترك الصلاة جاحدا لوجوبها أو جحد وجوبها ولم يترك فعلها في الصورة فهو كافر مرتد بإجماع المسلمين ويجب على الإمام قتله بالردة إلا أن يسلم ، ويترتب عليه جميع أحكام المرتدين ، وسواء كان هذا الجاحد رجلا أو امرأة ، هذا إذا كان قد نشأ بين المسلمين ، فأما من كان قريب العهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة من المسلمين بحيث يجوز أن يخفى عليه وجوبها فلا يكفر بمجرد الجحد ، بل نعرفه وجوبها فإن جحد بعد ذلك كان مرتدا فإن قيل : كيف أهمل المصنف هذا القيد وهو كونه نشأ بين المسلمين مع أنه شرط بلا خلاف ؟ فالجواب أن في لفظه ما يقتضي اشتراطه ، وهو قوله : ( فإن كان جاحدا ) ; لأن الجاحد عند أهل اللغة من أنكر شيئا سبق اعترافه به . هكذا صرح به صاحب المجمل وغيره ، وقد أوضحته في تهذيب الأسماء .
( المسألة الثانية ) من ترك الصلاة غير جاحد قسمان : أحدهما تركها لعذر كنوم ونحوهما فعليه القضاء فقط ، ووقته موسع ولا إثم [ ص: 17 ] عليه . والثاني : تركها بلا عذر تكاسلا وتهاونا فيأثم بلا شك ويجب قتله إذا أصر ، وهل يكفر ؟ فيه وجهان حكاهما المصنف وغيره ، أحدهما يكفر ، قال العبدري : وهو قول منصور الفقيه من أصحابنا وحكاه المصنف في كتابه في الخلاف عن أبي الطيب بن سلمة من أصحابنا ، والثاني : لا يكفر وهو الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور ، وقد ذكر المصنف دليلهما وسنوضحه في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله تعالى . وقال nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني يحبس ويؤدب ولا يقتل ، وإذا قلنا يقتل فمتى يقتل ؟ فيه خمسة أوجه الصحيح يقتل بترك صلاة واحدة إذا ضاق وقتها ، وهذا هو الذي اختاره المصنف في التنبيه ، ولم يذكره هنا . والثاني : إذا ضاق وقت الثانية . والثالث : إذا ضاق وقت الرابعة ، والرابع إذا ترك أربع صلوات . والخامس : إذا ترك من الصلوات قدرا يظهر لنا به اعتياده الترك وتهاونه بالصلاة . والمذهب الأول ، وعلى هذا قال أصحابنا : الاعتبار بإخراج الصلاة عن وقت الضرورة ، فإذا ترك الظهر لم يقتل حتى تغرب الشمس ، وإذا ترك المغرب لم يقتل حتى يطلع الفجر . قال الرافعي هكذا حكاه الصيدلاني وتابعه عليه الأئمة .
( المسألة الثالثة ) قال أصحابنا : على الأوجه كلها لا يقتل حتى يستتاب ، وهل تكفي الاستتابة في الحال ؟ أم يجب استتابته ثلاثة أيام ؟ فيه قولان ، قال صاحب العدة وغيره الأصح أنه في الحال ، والقولان في استحباب الاستتابة على الأصح وقيل في وجوبها .
( الرابعة ) الصحيح المنصوص عليه في البويطي أنه يقتل بالسيف ضربا للرقبة كما يقتل المرتد وفيه وجه أنه ينخس بحديدة أو يضرب بخشبة ، ويقال له : صل وإلا قتلناك ولا يزال يكرر عليه حتى يصلي أو يموت ، وهذا قول ابن سريج كما حكاه المصنف والأصحاب .
( فرع ) إذا قتل فالصحيح أنه يغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين ويرفع قبره كغيره ، وفيه خلاف سنذكره في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى .
. ( فرع ) لو امتنع من فعل الوضوء قتل على الصحيح ; لأن الصلاة لا تصح إلا به وفيه وجه حكاه الرافعي أنه لا يقتل .
( فرع ) لو امتنع من صلاة الجمعة وقال : أصليها ظهرا بلا عذر فقد جزم الغزالي في الفتاوى بأنه لا يقتل ; لأنه لا يقتل بترك الصوم ، فالجمعة أولى ; لأن لها بدلا وتسقط بأعذار كثيرة ، وتابع الرافعي الغزالي على هذا فحكاه عنه ، واقتصر عليه وجزم الشاشي في فتاويه بأنه يقتل بترك الجمعة وإن كان يصليها ظهرا ; لأنه لا يتصور قضاؤها ، وليست الظهر قضاء عنها . واختار الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=12795أبو عمرو بن الصلاح ما قاله الشاشي وبسط القول في أدلته وقرره تقريرا حسنا في فتاويه .
. ( فرع ) لو قتل إنسان تارك الصلاة في مدة الاستتابة فقد ذكر صاحب البيان أنه يأثم ولا ضمان عليه كقاتل المرتد ، وكذا قال nindex.php?page=showalam&ids=15021القفال في الفتاوى : إنه لا قصاص فيه قال الرافعي وليكن هذا جوابا على الصحيح المنصوص في الزاني المحصن أنه لا قصاص في قتله ، قال nindex.php?page=showalam&ids=15021القفال فلو جن قبل فعلها لم يقتل في حال الجنون ، فلو قتله إنسان لزمه القصاص ، وكذا لو سكر ، ولو جن المرتد أو سكر فقتله رجل فلا قصاص لقيام الكفر . .
( فرع ) في مذاهب العلماء فيمن ترك الصلاة تكاسلا مع اعتقاده وجوبها فمذهبنا المشهور ما سبق أنه يقتل حدا ولا يكفر ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك [ ص: 19 ] والأكثرون من السلف والخلف ، وقالت طائفة : يكفر ويجرى عليه أحكام المرتدين في كل شيء ، وهو مروي عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه وهو أصح الروايتين عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وبه قال منصور الفقيه من أصحابنا كما سبق . وقال nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة وأصحابه وجماعة من أهل الكوفة nindex.php?page=showalam&ids=15215والمزني لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي ، واحتج لمن قال بكفره بحديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { nindex.php?page=hadith&LINKID=11703إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة } " رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم بهذا اللفظ ، وهكذا الرواية " الشرك والكفر " بالواو ، وفي غير nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم " الشرك أو الكفر " وأما الزيادة التي ذكرها المصنف وهي قوله : ( فمن تركها فقد كفر ) فليست في صحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وغيره من الأصول . وعن nindex.php?page=showalam&ids=134بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=14656العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر } رواه الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي . قال الترمذي : حديث حسن صحيح وعن شقيق بن عبد الله العقيلي التابعي المتفق على جلالته قال : " كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة " رواه الترمذي في كتاب الإيمان بإسناد صحيح واحتجوا بالقياس على كلمة التوحيد . واحتج nindex.php?page=showalam&ids=11990لأبي حنيفة وموافقيه بحديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=31391لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزان والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم وهكذا الرواية " الزان " وهي لغة واللغة الفاشية الزاني بالياء ، وبالقياس على ترك الصوم والزكاة والحج وسائر المعاصي واحتج أصحابنا على قتله بقول الله تعالى : { اقتلوا المشركين } إلى قوله تعالى : { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=2080أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا [ ص: 20 ] الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم وبحديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=12874نهيت عن قتل المصلين } وبالقياس على كلمة التوحيد .
واحتجوا على أنه لا يكفر لحديث nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { nindex.php?page=hadith&LINKID=18568خمس صلوات افترضهن الله ، من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له ، ومن لم يفعل فليس له على الله عهد إن شاء غفر له وإن شاء عذبه } حديث صحيح رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة ، وبالأحاديث الصحيحة العامة كقوله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=37401من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة } رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وأشباهه كثيرة ، ولم يزل المسلمون يورثون تارك الصلاة ويورثون عنه ، ولو كان كافرا لم يغفر له ولم يرث ولم يورث . وأما الجواب عما احتج به من كفره من حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر nindex.php?page=showalam&ids=134وبريدة ورواية شقيق فهو أن كل ذلك محمول على أنه شارك الكافر في بعض أحكامه ، وهو وجوب القتل . وهذا التأويل متعين للجمع بين نصوص الشرع وقواعده التي ذكرناها ، وأما قياسهم فمتروك بالنصوص التي ذكرناها ، والجواب عما احتج به nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة أنه عام مخصوص بما ذكرناه ، وقياسهم لا يقبل مع النصوص ، فهذا مختصر ما يتعلق بالمسألة والله أعلم بالصواب .