قال المصنف رحمه الله تعالى ( ولا يصح الأذان إلا من مسلم عاقل ، فأما الكافر والمجنون فلا يصح أذانهما لأنهما ليسا من أهل العبادات ، ويصح من الصبي العاقل لأنه من أهل العبادات ، ويكره للمرأة أن تؤذن ، ويستحب لها أن تقيم ; لأن في الأذان ترفع الصوت وفي الإقامة لا ترفع [ الصوت ] فإذا أذنت للرجال لم يعتد بأذانها لأنه لا يصح إمامتها للرجال فلا يصح تأذينها لهم ) .
( الشرح ) فيه مسائل ( إحداها ) لا يصح أذان كافر على أي ملة كان فإن أذن فهل يكون أذانه إسلاما ؟ ينظر إن كان عيسويا والعيسوية [ ص: 107 ] طائفة من اليهود ينسبون إلى أبي عيسى اليهودي الأصبهاني ، يعتقدون اختصاص رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم بالعرب فهذا لا يصير بالأذان مسلما ; لأنه إذا نطق بالشهادتين اعتقد فيها الاختصاص وإن كان غير عيسوي فله في نطقه بالشهادة ثلاثة أحوال ( أحدها ) أن يقولها حكاية بأن يقول : سمعت فلانا يقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فهذا لا يصير مسلما بلا خلاف ، ; لأنه حاك كما لا يصير المسلم كافرا بحكايته الكفر . ( والثاني ) أن يقولها بعد استدعاء بأن يقول له إنسان قل : لا إله إلا الله محمد رسول الله فيقولها قصدا فهذا يصير مسلما بلا خلاف . ( والثالث ) أن يقولها ابتداء لا حكاية ولا أنه يصير لنطقه بهما باستدعاء فهل يصير مسلما ؟ فيه وجهان مشهوران الصحيح منهما وبه قطع الأكثرون : أنه يصير لنطقه بهما اختيارا ، والثاني : لا يصير لاحتمال الحكاية ، وسواء حكمنا بإسلامه أم لا ، لا يصح أذانه ; لأنه وإن حكم بإسلامه فإنما يحكم بعد الشهادتين فيكون بعض الأذان جرى في الكفر . ولو أذن المسلم ثم ارتد عقب فراغه اعتد بأذانه ، ويستحب أن لا يعتد به لاحتمال أن تكون عرضت له الردة قبل فراغه ، وممن نص على هذا nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
( المسألة الثانية ) لا يصح أذان المجنون والمغمى عليه لأن كلامهما لغو وليسا في الحال من أهل العبادة . وأما السكران فلا يصح أذانه على الصحيح كالمجنون ، وفي وجه أنه يصح ، حكاه إمام الحرمين والبغوي وغيرهما وصححه nindex.php?page=showalam&ids=14048الشيخ أبو محمد في كتابه الفروق ، nindex.php?page=showalam&ids=14958والقاضي حسين في الفتاوى بناء على صحة تصرفاته وليس بشيء . وأما من هو في أول النشوة فيصح أذانه بلا خلاف .
[ ص: 108 ] الثالثة ) يصح أذان الصبي المميز كما تصح إمامته . هذا هو المذهب ، وبه قطع الجمهور ، ونص عليه في الأم لما ذكره المصنف قالوا : ولأنه يقبل خبره فيما طريقه المشاهدة ، كما لو دل أعمى على محراب يجوز أن يصلي ، ويقبل قوله في الإذن في دخول الدار وحمل الهدية ، وفيه وجه أنه لا يصح أذانه ، حكاه صاحب التتمة وغيره ، وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود وقال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد يصح ، فإذا قلنا بالمذهب : أنه يصح قال الماوردي والبندنيجي وصاحب الشامل والعدة وغيرهم : يكره ، ونقل المحاملي كراهته عن نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي قال الماوردي وصاحب العدة ، سواء كان مراهقا أو دونه يكره أن يرتب للأذان .
( الرابعة ) لا يصح أذان المرأة للرجال لما ذكره المصنف هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور ، ونص عليه في الأم ، ونقل إمام الحرمين الاتفاق عليه ، وفيه وجه حكاه المتولي أنه يصح كما يصح خبرها . وأما إذا أراد جماعة النسوة صلاة ففيها ثلاثة أقوال ، المشهور المنصوص في الجديد والقديم ، وبه قطع الجمهور : يستحب لهن الإقامة دون الأذان لما ذكره المصنف . ( الثاني : لا يستحبان ، نص عليه في البويطي والثالث : يستحبان حكاهما الخراسانيون فعلى الأول إذا أذنت ولم ترفع الصوت لم يكره وكان ذكرا لله تعالى هكذا نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم والبويطي وصرح به nindex.php?page=showalam&ids=11976الشيخ أبو حامد والقاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب والمحاملي في كتابيه وصاحب الشامل وغيرهم . وشذ المصنف والجرجاني في التحرير فقالا : يكره لها الأذان ، والمذهب ما سبق وإذا قلنا : تؤذن فلا ترفع الصوت فوق ما تسمع صواحبها اتفق الأصحاب عليه ونص عليه في الأم ، فإن رفعت فوق ذلك حرم كما يحرم تكشفها بحضور الرجال لأنه يفتتن بصوتها كما يفتتن بوجهها ، وممن صرح بتحريمه إمام الحرمين والغزالي والرافعي وأشار إليه nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين وقال السرخسي في الأمالي : رفع صوتها مكروه ، ولو أرادت الصلاة امرأة منفردة ، فإن قلنا الرجل المنفرد لا يؤذن فهي أولى وإلا فعلى الأقوال [ ص: 109 ] الثلاثة في جماعة النساء ، والخنثى المشكل في هذا كله كالمرأة ، ذكره أبو الفتوح والبغوي وغيرهما ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود يسن للمرأة ، وللنساء الإقامة دون الأذان ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة لا يسن الإقامة لهن ) .