قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن وجد من يتطوع بالأذان لم يرزق المؤذن من بيت المال ; لأن [ مال بيت ] المال جعل للمصلحة ولا مصلحة في ذلك ، وإن لم يوجد من يتطوع رزق [ من يؤذن ] من خمس الخمس ; لأن ذلك من المصالح ، وهل يجوز أن يستأجر ؟ فيه وجهان ( أحدهما ) لا يجوز ، وهو اختيار الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبي حامد ; لأنه قربة في حقه فلم يجز أن يستأجر عليه كالإمامة في الصلاة ( الثاني ) يجوز ; لأنه عمل معلوم يجوز أن يأخذ الرزق عليه فجاز أخذ الأجرة عليه كسائر الأعمال ) .
( الشرح ) قوله : قربة في حقه احتراز من الحج وقوله : عمل معلوم احتراز من القضاء ، وقوله : يجوز أخذ الرزق عليه احتراز من عمل المعصية ، وقيل : احتراز من صلاته منفردا . [ ص: 134 ] قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله في الأم : أحب أن يكون المؤذنون متطوعين قال : وليس للإمام أن يرزقهم وهو يجد من يؤذن متطوعا ممن له أمانة إلا أن يرزقهم من ماله . قال ولا أحسب أحدا ببلد كثير الأهل يعوزه أن يجد مؤذنا أمينا لازما يؤذن متطوعا ، فإن لم يجده فلا بأس أن يرزق مؤذنا ، ولا يرزقه إلا من خمس الخمس سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يجوز أن يرزقه من غيره من الفيء لأن لكله مالكا موصوفا ، ولا يجوز أن يرزقه من الصدقات شيئا ، ويجوز للمؤذن أخذ الرزق إذا رزق من حيث وصفت أن يرزق ولا يجوز له أخذه من غيره بأن يرزق ، هذا نصه بحرفه وتابعه الأصحاب كلهم عليه ، واتفقوا عليه . وعن nindex.php?page=showalam&ids=61عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=11آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا ، } رواه الترمذي وقال حديث حسن . قال أصحابنا : ولا يجوز أن يرزق مؤذنا وهو يجد متبرعا عدلا ، كما نص عليه ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين ; لأن الإمام في بيت المال كالوصي في مال اليتيم ثم الوصي لو وجد من يعمل في مال اليتيم متبرعا لم يجز أن يستأجر عليه من مال اليتيم فكذا الإمام فلو وجد فاسقا متبرعا ، وعدلا لا يؤذن إلا برزق فالمذهب أنه يرزق العدل وبهذا قطع الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد والمحاملي والبندنيجي وصاحبا الشامل والمعتمد ، والجمهور وهو ظاهر النص الذي ذكرناه ، وذكر صاحب التتمة وجهين أحدهما : يرزق العدل ، والثاني الفاسق أولى ، وهذا ليس بشيء ولو وجد متطوعا غير حسن الصوت وغيره رفيعه فهل له أن يرزق حسن الصوت ؟ فيه وجهان حكاه nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي وصاحباه المتولي والبغوي وغيرهم ، قال ابن سريج يرزقه وقال nindex.php?page=showalam&ids=15021القفال والشيخ nindex.php?page=showalam&ids=14048أبو محمد لا والأصح أنه يرزقه إن رآه مصلحة لظهور تفاوتهما ، وتعلق المصلحة به .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي والمتولي : هما مبنيان على القولين في الأم إذا طلبت أجرة الرضاع ووجد الأب متبرعة ، قال أصحابنا والرزق يكون من خمس خمس الفيء والغنيمة ، وكذا من أربعة أخماس الفيء إذا قلنا : إنه للمصالح ، وينبغي أن لا يختص بذلك بل يرزقه من كل مال هو لمصالح المسلمين ، [ ص: 135 ] كالأموال التي يرثها بيت المال ، والمال الضائع الذي أيسنا من صاحبه وغير ذلك . قال أصحابنا : والرزق يكون بقدر الحاجة . فإن كان في البلد مسجد واحد رزق ما تدعو الحاجة إليه من مؤذن أو جماعة كما سبق ، وإن كان فيه مساجد ولم يمكن جمع الناس في مسجد واحد رزق عددا من المؤذنين للمساجد بحيث تحصل بهم الكفاية ويتأدى الشعار ، وإن أمكن بلا مشقة فوجهان مشهوران في كتب الخراسانيين ، أحدهما : يجمعهم ويرزق واحدا فقط ، وأصحهما لا يجمعهم بل يرزق الجميع لئلا تتعطل المساجد ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14958القاضي حسين ولأن تكثير الجماعات وفعلها في مساجد أكثر فضيلة من أدائها في مسجد واحد ، وإذا لم يكن في بيت المال سعة بدأ بالأهم وهو رزق مؤذن الجامع ، وأذان صلاة الجمعة أهم من غيره ، قال أصحابنا : ويجوز للإمام أن يرزق من مال نفسه ولآحاد الرعية من مال نفسه وحينئذ يجوز أن يرزق كم شاء وكيف شاء ومتى شاء فيرزق ما شاء من العدد ، ومع وجود المتبرع وفوق قدر الكفاية ، وصرح به في التهذيب وغيره .
( فرع ) في جواز الاستئجار على الأذان ثلاثة أوجه ( أصحها ) : يجوز للإمام من مال بيت المال ومن مال نفسه ولآحاد الناس من أهل المحلة ومن غيرهم من مال نفسه ، ونقله nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب عن nindex.php?page=showalam&ids=12094أبي علي الطبري وعامة أصحابنا ، وكذا نقله المتولي وصاحب الذخائر والعبدري عن عامة أصحابنا وصححه nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب والفوراني وإمام الحرمين وابن الصباغ والمتولي والغزالي في البسيط وإلكيا الهراسي في كتابه الزوايا في الخلاف والشاشي في المعتمد والرافعي وآخرون ، وقطع به الغزالي في الخلاصة والروياني في الحلية ، وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود . ( والثاني ) لا يجوز الاستئجار لأحد ، وبه قطع nindex.php?page=showalam&ids=11976الشيخ أبو حامد وصاحب الحاوي nindex.php?page=showalam&ids=15021والقفال وصححه المحاملي والبندنيجي والبغوي وغيرهم وبه قال الأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر ( والثالث ) يجوز للإمام دون آحاد الناس ، ودليل الجميع ظاهر بما ذكره المصنف قال أصحابنا : وإذا جوزنا للإمام الاستئجار من بيت المال فإنما يجوز [ ص: 136 ] حيث يجوز الرزق من بيت المال خلافا ووفاقا ، قال صاحب التهذيب : وإن استأجر من بيت المال لم يفتقر إلى بيان المدة ، بل يكفي أن يقول : استأجرتك لتؤذن في هذا المسجد في أوقات الصلاة كل شهر بكذا ، ولو استأجر من مال نفسه أو استأجر آحاد الناس ففي اشتراط بيان المدة وجهان ( أصحهما ) الاشتراط ، قال : والإقامة تدخل في الاستئجار للأذان ، ولا يجوز الاستئجار للإقامة وحدها إذ لا كلفة فيها بخلاف الأذان ؟ قال الرافعي ولا تخلو هذه الصورة عن إشكال ، وكذا قال السرخسي في الأمالي : إن شرط له الإمام الجعل من بيت المال لم يشترط ذكر آخر المدة ، بل يكفيه كل شهر أو سنة بكذا كالجزية والخراج ، وإن شرط من مال نفسه فوجهان ( أحدهما ) هذا . ( والثاني ) يشترط كالإجارة على غيره من الأعمال . قال صاحب الذخائر : الفرق بين الرزق والأجرة أن الرزق أن يعطيه كفايته هو وعياله ، والأجرة ما يقع به التراضي ، وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=61عثمان بن أبي العاص أنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=11آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا } رواه الترمذي وقال هو حديث حسن محمول على الندب .
( الثانية ) يكره أن يخرج من المسجد بعد الأذان قبل أن يصلي إلا لعذر ، وقد سبقت هذه المسألة بدليلها في آخر باب ما يوجب الغسل ، وذكرها في هذا الباب جماعة من أصحابنا .
( الرابعة ) قال البندنيجي وصاحب البيان : يستحب أن يقف المؤذن على أواخر الكلمات في الأذان ; لأنه روي موقوفا ، قال الهروي وعوام الناس يقولون : الله أكبر بضم الراء وكان أبو العباس المبرد يفتح الراء فيقول الله أكبر الله أكبر ، الأولى مفتوحة ، والثانية ساكنة ، قال : لأن الأذان سمع موقوفا كقوله : حي على الصلاة ، حي على الفلاح فكان الأصل أن يقول : الله أكبر الله أكبر بإسكان الراء فحركت فتحة الألف من اسم الله تعالى في اللفظة الثانية لسكون الراء قبلها ففتحت كقوله تعالى " { الم الله لا إله إلا هو } " وقال صاحب التتمة [ ص: 137 ] يجمع كل تكبيرتين بصوت ; لأنه خفيف ، وأما باقي الكلمات فيفرد كل كلمة بصوت ، وفي الإقامة يجمع كل كلمتين بصوت .
( الخامسة ) قال البغوي لو زاد في الأذان ذكرا أو زاد في عدد كلماته لم يبطل أذانه ، وهذا الذي قاله محمول على ما إذا لم يؤد إلى اشتباهه بغير الأذان على السامعين . قال nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب وغيره : لو قال الله الأكبر بدل الله أكبر صح أذانه كما لو قاله في تكبيرة الإحرام تنعقد صلاته .
( السابعة ) قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في مختصر nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني وترك الأذان في السفر أخف منه في الحضر . قال أصحابنا : وجه ذلك أن السفر مبني على التخفيف وفعل الرخص ، ولأن أصل الأذان للإعلام بالوقت ، والمسافرون لا يتفرقون غالبا .
قال في الأم : ولو تركت المرأة الإقامة لصلاتها لم أكره لها من تركها ما أكره من تركها للرجال ، وإن كنت أحب أن تقيم .
قال في الأم : ويصلي الرجل بأذان رجل لم يؤذن له ، يعني لم يقصد الأذان لهذا الرجل ، وهذا الذي نص عليه هو ما ذكره صاحب العدة وغيره . قالوا : لو اجتاز رجل بمسجد قد أذن فيه اكتفى بذلك الأذان وإن كان المؤذن لم يقصده .
( الثامنة ) قال صاحب الحاوي : لو أذن بالفارسية إن كان يؤذن لصلاة جماعة لم يجز ، سواء كان يحسن العربية أم لا ; لأن غيره قد يحسن ، وإن كان أذانه لنفسه فإن كان يحسن العربية لم يجزئه كأذكار ، الصلاة ، وإن كان لا يحسن أجزأه وعليه أن يتعلم . هذا كلامه وهذا الذي قاله من أن مؤذن الجماعة لا يجزئه بالفارسية وإن لم يحسن العربية ، محمول على ما إذا كان في الجماعة من يحسن العربية فإن لم يكن صح وقد أشار إليه في تعليقه .
[ ص: 138 ] التاسعة ) قال الدارمي لو لقن الأذان أجزأه لحصول الإعلام .