قال المصنف - رحمه الله - : ( وإن لم يتغير نظرت ، فإن كان الماء دون القلتين ; فهو نجس ، وإن كان قلتين فصاعدا فهو طاهر لقوله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=10454إذا كان الماء قلتين فإنه لا يحمل الخبث } ; ولأن القليل يمكن حفظه من النجاسة في الظروف ، والكثير لا يمكن حفظه من النجاسة فجعل القلتان حدا فاصلا بينهما ) .
[ ص: 162 ] ( الشرح ) هذا الحديث حديث حسن ثابت من رواية nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ، رواه أبو عبد الله الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وأبو داود والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه في سننهم وأبو عبد الله الحاكم في المستدرك على الصحيحين قال nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم : هو حديث صحيح على شرط nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم ، وجاء في رواية لأبي داود وغيره : { nindex.php?page=hadith&LINKID=10454إذا كان الماء قلتين لم ينجس } قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي وغيره : إسناد هذه الرواية إسناد صحيح ، والخبث بفتح الخاء والباء . ومعناه هنا : لم ينجس كما جاء في الرواية الأخرى ، وقوله : قلتين فصاعدا ، معناه فأكثر وهو منصوب على الحال . وأما حكم المسألة : وهي إذا وقع في الماء الراكد نجاسة ولم تغيره ، فحكى nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر وغيره فيها سبعة مذاهب للعلماء ( أحدها ) : إن كان قلتين فأكثر لم ينجس ، وإن كان دون قلتين نجس ، وهذا مذهبنا ومذهب nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=12074وأبي عبيد وإسحاق بن راهويه .
( الثاني ) : أنه إن بلغ أربعين قلة لم ينجسه شيء ، حكوه عن nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص nindex.php?page=showalam&ids=16920ومحمد بن المنكدر ( الثالث ) : إن كان كرا لم ينجسه شيء . وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=17073مسروق nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين ( والرابع ) : إذا بلغ ذنوبين لم ينجس ، روي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في رواية ، وقال عكرمة : ذنوبا أو ذنوبين ( الخامس ) : إن كان أربعين دلوا لم ينجس روي عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ( السادس ) : إذا كان بحيث لو حرك جانبه ، تحرك الجانب الآخر نجس ، وإلا فلا ، وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة .
( والسابع ) : [ ص: 163 ] لا ينجس كثير الماء ولا قليله إلا بالتغير ، حكوه عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=15990وابن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري وعكرمة nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=16330وعبد الرحمن بن أبي ليلى nindex.php?page=showalam&ids=11867وجابر بن زيد nindex.php?page=showalam&ids=17293ويحيى بن سعيد القطان nindex.php?page=showalam&ids=16349وعبد الرحمن بن مهدي .
قال أصحابنا : وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان الثوري nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود ونقلوه عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي ، قال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : وبهذا المذهب أقول ، واختاره الغزالي في الإحياء واختاره الروياني في كتابيه البحر والحلية قال في البحر : " هو اختياري واختيار جماعة رأيتهم بخراسان والعراق " وهذا المذهب أصحها بعد مذهبنا .
واحتج nindex.php?page=showalam&ids=11990لأبي حنيفة بأشياء ليس في شيء منها دلالة ، لكني أذكرها لبيان جوابها إن أوردت على ضعيف المرتبة ، منها قوله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=31231لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه } حديث صحيح متفق على صحته ، رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم قالوا : وروي أن زنجيا مات في زمزم فأمر nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس بنزحها ، ومعلوم أن ماء زمزم يزيد على قلتين ; ولأنه مائع ينجس بورود النجاسة عليه إذا قل ، فكذا إذا كثر كسائر المائعات ; ولأنه تيقن حصول نجاسة فيه فهو كالقليل .
واحتج أصحابنا على nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة بحديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر المذكور في الكتاب : { nindex.php?page=hadith&LINKID=9718إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا } ، وفي رواية " لم ينجس " وهما صحيحان كما سبق ، وبحديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم من بئر بضاعة ، وكانت يلقى فيها لحوم الكلاب وخرق الحيض ، كما سبق بيانه في أول كتاب الطهارة وسبق : أنه حديث صحيح وهذه البئر كانت صغيرة كما سبق بيانها ، وهم لا يجيزون الوضوء من مثلها ، قال أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة : إنما توضأ منها ; لأنها كانت جارية ، قال nindex.php?page=showalam&ids=15472الواقدي : كان يسقى منها الزرع والبساتين ، وكذا قاله nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي ونقله عن nindex.php?page=showalam&ids=15472الواقدي .
قال أصحابنا : هذا غلط ولم تكن بئر بضاعة جارية بل كانت واقفة ; لأن العلماء ضبطوا بئر بضاعة وعرفوها في كتب مكة والمدينة ، وأن الماء لم يكن يجري ، وقد قدمنا بيان هذا في أول الكتاب عند ذكر حديث بئر بضاعة ، وذكرنا ما رواه أبو داود عن nindex.php?page=showalam&ids=16818قتيبة وما وصفه هو .
[ ص: 164 ] قال أصحابنا : ما نقلوه عن nindex.php?page=showalam&ids=15472الواقدي مردود ; لأن nindex.php?page=showalam&ids=15472الواقدي - رحمه الله - ضعيف عند أهل الحديث وغيرهم لا يحتج برواياته المتصلة ، فكيف بما يرسله أو يقوله عن نفسه ، قالوا : ولو صح أنه كان يسقى منها الزرع ، لكان معناه أنه يسقى منها بالدلو والناضح عملا بما نقله الأثبات في صفتها .
قال أصحابنا : وعمدتنا حديث القلتين ، فإن قالوا : هو مضطرب ; لأن nindex.php?page=showalam&ids=15498الوليد بن كثير رواه تارة عن nindex.php?page=showalam&ids=16984محمد بن عباد عن جعفر ، وتارة عن محمد بن جعفر بن الزبير ، وروي تارة عن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن أبيه ، وتارة عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه ، وهذا اضطراب ثان . فالجواب : أن هذا ليس اضطرابا ، بل رواه nindex.php?page=showalam&ids=16984محمد بن عباد nindex.php?page=showalam&ids=12244ومحمد بن جعفر وهما ثقتان معروفان ، ورواه أيضا عبد الله وعبيد الله ابنا nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر عن أبيهما ، وهما أيضا ثقتان ، وليس هذا من الاضطراب ، وبهذا الجواب أجاب أصحابنا وجماعات من حفاظ الحديث ، وقد جمع nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي طرقه وبين رواية المحمدين وعبد الله وعبيد الله ، وذكر طرق ذلك كله وبينها أحسن بيان ، ثم قال : فالحديث محفوظ عن عبد الله وعبيد الله ، قال : وكذا كان شيخنا أبو عبد الله الحافظ الحاكم يقول : الحديث محفوظ عنهما وكلاهما رواه عن أبيه ، قال : وإلى هذا ذهب كثير من أهل الرواية ، وكان إسحاق بن راهويه يقول : غلط nindex.php?page=showalam&ids=11804أبو أسامة في عبد الله بن عبد الله إنما هو عبيد الله بن عبد الله بالتصغير .
وأطنب nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في تصحيح الحديث بدلائله فحصل أنه غير مضطرب ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : ويكفي شاهدا على صحته أن نجوم أهل الحديث صححوه وقالوا به واعتمدوه في تحديد الماء ، وهم القدوة وعليهما المعول في هذا الباب .
فممن ذهب إليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور nindex.php?page=showalam&ids=12074وأبو عبيد nindex.php?page=showalam&ids=16903ومحمد بن إسحاق nindex.php?page=showalam&ids=13114وابن خزيمة وغيرهم .
( قلت ) : وقد سلم nindex.php?page=showalam&ids=14695أبو جعفر الطحاوي إمام أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة في الحديث والذاب عنهم بصحة هذا الحديث ، لكنه دفعه واعتذر عنه بما ليس بدافع ولا عذر فقال : هو حديث صحيح لكن تركناه ; لأنه روى قلتين أو ثلاثا ; ولأنا لا نعلم قدر القلتين فأجاب أصحابنا : بأن الرواية الصحيحة المعروفة المشهورة قلتين ، ورواية الشك شاذة غريبة فهي متروكة فوجودها كعدمها .
وأما قولهم : [ ص: 165 ] لا نعلم قدر القلتين فالمراد : قلال هجر كما رواه nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، وقلال هجر كانت معروفة عندهم مشهورة يدل عليه حديث nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر في الصحيحين : أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم عن ليلة الإسراء فقال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=19580رفعت إلى سدرة المنتهى ، فإذا ورقها مثل آذان الفيلة ، وإذا نبقها مثل قلال هجر } فعلم بهذا : أن القلال معلومة عندهم مشهورة ، وكيف يظن أنه صلى الله عليه وسلم يحدد لهم أو يمثل بما لا يعلمونه ولا يهتدون إليه ؟ فإن قالوا : روي أربعين قلة ، وروي أربعين غربا ، وهذا يخالف حديث القلتين فالجواب : أن هذا لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما نقل أربعين قلة عن nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص وأربعين غربا أي دلوا عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة كما سبق ، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم مقدم على غيره ، فهذا ما نعتمده في الجواب .
وأجاب أصحابنا أيضا : بأنه ليس مخالفا ، بل يحمل ، على أن تلك الأربعين صغار تبلغ قلتين بقلال هجر فقط ، فإن قالوا : يحمل على الجاري فالجواب : أن الحديث عام يتناول الجاري والراكد ، فلا يصح تخصيصه بلا دليل ; ولأن توقيته بقلتين يمنع حمله على الجاري عندهم ، فإن قالوا : لا يصح التمسك به ; لأنه متروك بالإجماع في المتغير بنجاسة ، فالجواب : أنه عام خص في بعضه ، فبقي الباقي على عمومه كما هو المختار في الأصول ، فإن قالوا : قد روى ابن علية هذا الحديث موقوفا على nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، فالجواب : أنه صح موصولا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من طرق الثقات ، فلا يضر تفرد واحد لم يحفظه توقفه ، وقد روى nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي وغيره بالإسناد الصحيح عن nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين إمام هذا الشأن : أنه سئل عن هذا الحديث فقال : جيد الإسناد ، قيل له : فإن ابن علية لم يدفعه ، قال يحيى : وإن لم يحفظه ابن علية فالحديث جيد الإسناد .
فإن قالوا : إنما لم يحمل خبثا لضعفه عنه وهذا يدل على نجاسته ، فالجواب : ما قال أصحابنا وأهل الحديث وغيرهم إن هذا جهل بمعاني الكلام وبطرق الحديث ، أما جهل قائله بطرق الحديث ففي رواية صحيحة لأبي داود : { nindex.php?page=hadith&LINKID=9720إذا بلغ الماء قلتين لم ينجس } وقد سبق بيانها ، فإذا ثبتت هذه الرواية تعين حمل الأخرى عليها وأن معنى : " لم يحمل خبثا " : لم [ ص: 166 ] ينجس ، وقد قال العلماء : أحسن تفسير غريب الحديث أن يفسر بما جاء في رواية أخرى لذلك الحديث ، وأما جهله بمعاني الكلام فبيانه من وجهين ( أحدهما ) : أنه صلى الله عليه وسلم جعل القلتين حدا ، فلو كان كما زعم هذا القائل لكان التقييد بذلك باطلا ، فإن ما دون القلتين يساوي القلتين في هذا ( والثاني ) : أن الحمل ضربان حمل جسم وحمل معنى ، فإذا قيل في حمل الجسم : فلان لا يحمل الخشبة مثلا فمعناه : لا يطيق ذلك لثقله ، وإذا قيل في حمل المعنى : فلان لا يحمل الضيم فمعناه : لا يقبله ولا يلتزمه ولا يصبر عليه ; قال الله تعالى : { مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها } معناه : لم يقبلوا أحكامها ولم يلتزموها ، والماء من هذا الضرب ، لا يتشكك في هذا من له أدنى فهم ومعرفة والله أعلم .
واحتج أصحابنا من جهة الاعتبار والاستدلال بأشياء ( أحدها ) وهو العمدة على ما قاله الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد : أن الأصول مبنية على أن النجاسة إذا صعبت إزالتها ، وشق الاحتراز منها عفي عنها كدم البراغيث ، وموضع النجو وسلس البول والاستحاضة ، وإذا لم يشق الاحتراز لم يعف كغير الدم من النجاسات ومعلوم : أن قليل الماء لا يشق حفظه ، وكثيره يشق ، فعفي عما شق دون غيره ، وضبط الشرع حد القلة بقلتين فتعين اعتماده ، ولا يجوز لمن بلغه الحديث العدول عنه .
قال أصحابنا : ولهذا ينجس المائع ، وإن كثر بملاقاة النجاسة ; لأنه لا مشقة في حفظه والعادة جارية به وذكروا دلائل كثيرة وفيما ذكرناه كفاية . والجواب عما احتجوا به من حديث : { nindex.php?page=hadith&LINKID=31232لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه } من وجهين ( أحدهما ) : أنه عام مخصوص بحديث القلتين ( والثاني ) وهو الأظهر : أنه نهي تنزيه فيكره كراهة شديدة ولا يحرم . وسبب الكراهة : الاستقذار لا النجاسة ; ولأنه يؤدي إلى كثرة البول وتغير الماء به ، وأما قولهم : إن زنجيا مات في زمزم فنزحها nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس فجوابه من ثلاثة [ ص: 167 ] أوجه أجاب بها nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ثم الأصحاب أحسنها : أن هذا الذي زعموه باطل لا أصل له ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لقيت جماعة من شيوخ مكة فسألتهم عن هذا فقالوا : ما سمعنا هذا . وروى nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي وغيره عن nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة إمام أهل مكة قال : إنا بمكة منذ سبعين سنة لم أر أحدا ، لا صغيرا ولا كبيرا يعرف حديث الزنجي الذي يقولونه ، وما سمعت أحدا يقول : نزحت زمزم ، فهذا سفيان كبير أهل مكة قد لقي خلائق من أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وسمعهم ، فكيف يتوهم بعد هذا صحة هذه القضية التي من شأنها إذا وقعت أن تشيع في الناس لا سيما أهل مكة لا سيما أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وحاضروها ؟ وكيف يصل هذا إلى أهل الكوفة ويجهله أهل مكة ؟ وقد روى nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي هذا عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس من أوجه كلها ضعيفة لا يلتفت إليها .
( الثاني ) : لو صح لحمل على أن دمه غلب على الماء فغيره ( الثالث ) : فعله استحبابا وتنظفا ، فإن النفس تعافه والمشهور عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أن الماء لا يتنجس إلا بالتغير كما نقله nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر وغيره ، وقد سبق بيانه ، وأما قياسهم على المائع فجوابه من أوجه ( أحدها ) : أنه قياس يخالف السنة فلا يلتفت إليه ( الثاني ) : أنه لا يشق حفظ المائع وإن كثر ، بل العادة حفظه وقد سبق بيان هذا ( الثالث ) : أن للماء قوة في دفع النجس بالإجماع وهو إذا كان بحيث لا يتحرك طرفه الآخر بخلاف المائع ( الرابع ) : للماء قوة رفع الحدث فكذا له دفع النجس بخلاف المائع ، وأما قياسهم على الماء القليل فجوابه ظاهر مما ذكرناه .
قال أصحابنا : اعتبروا حدا واعتبرنا حدا ، وحدنا ما حده رسول الله الذي أوجب الله تعالى طاعته وحرم مخالفته ، وحدهم مخالف حده صلى الله عليه وسلم مع أنه حد بما لا أصل له ، وهو أيضا حد لا ضبط فيه فإنه يختلف بضيق موضع الماء وسعته ، وقد يضيق موضع الماء الكثير لعمقه ويتسع موضع القليل لعدم عمقه ، فهذا ما يتعلق بالخلاف بيننا وبين nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة - رحمه الله - .
وأما nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك وموافقوه فاحتج لهم بقوله : صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=15092الماء طهور لا ينجسه شيء } وهو حديث صحيح كما سبق وبالقياس على القلتين ، وعلى ما إذا ورد الماء على النجاسة . [ ص: 168 ] واحتج أصحابنا عليهم بحديث القلتين ، وقد وافقنا nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك - رحمه الله - على القول بدليل الخطاب وبحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=9619إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ، فإنه لا يدري أين باتت يده } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم فنهاه صلى الله عليه وسلم عن غمس يده وعلله بخشية النجاسة ، ويعلم بالضرورة : أن النجاسة التي قد تكون على يده وتخفى عليه لا تغير الماء ، فلولا تنجيسه بحلول نجاسة لم تغيره لم ينهه ، وبحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أيضا : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=10682إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080لمسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=24776فليرقه ثم ليغسله سبع مرات } فالأمر بالإراقة والغسل دليل النجاسة ، وبحديث nindex.php?page=showalam&ids=60أبي قتادة : رضي الله عنه { nindex.php?page=hadith&LINKID=8092أنه كان يتوضأ فجاءت هرة فأصغى لها الإناء فشربت فتعجب منه فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات } حديث صحيح رواه nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك في الموطأ وأبو داود والترمذي وغيرهم قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، وفيه دلالة ظاهرة : أن النجاسة إذا وردت على الماء نجسته ، واحتجوا بغير ذلك من الأحاديث . ومن حيث الاستدلال ما سبق مع nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة : في أن النجاسة التي يشق الاحتراز منها يعفى عنها وما لا فلا ، وهذا يقتضي الفرق بين القليل والكثير وضبط الشرع بقلتين ، قال إمام الحرمين : ولأنه لا يشك منصف أن السلف لو رأوا رطل ماء أصابه قطرات بول أو خمر لم يجيزوا الوضوء به .
وأما الجواب عن الحديث الذي احتجوا به فهو : أنه محمول على قلتين فأكثر فإنه عام وخبرنا خاص ، فوجب تقديمه جمعا بين الحديثين ، والجواب عن قياسهم على ما إذا ورد الماء على النجاسة من وجهين ( أحدهما ) من حيث النص : وهو أنه صلى الله عليه وسلم فرق بينهما وذلك في حديثين أحدهما : حديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=9620إذا استيقظ أحدكم } فمنع صلى الله عليه وسلم من إيراد اليد على الماء ، وأمر بإيراده عليها ففرق بينهما ( والثاني ) : أنه صلى الله عليه وسلم أمر بإراقة ما ولغ فيه الكلب لورود النجاسة ، وأمر بإيراد الماء على الإناء . فإن قالوا : الكلب طاهر عندنا ، قلنا : سنوضح الدلائل على نجاسته [ ص: 169 ] في بابه إن شاء الله تعالى ، والجواب الثاني من حيث المعنى : وهو أنا إذا نجسنا دون القلتين بورود النجاسة لم يشق لإمكان الاحتراز منها ، ولو نجسنا دون القلتين بوروده نجاسة لشق وأدى إلى أن لا يطهر شيء حتى يغمس في قلتين ، وفي ذلك أشد الحرج فسقط والله أعلم .
واعلم أنه حصل في هذه المسألة جملة من الأحاديث ذكرناها وبجميعها يقول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله على حسب ما سبق ، ولم يرد منها شيئا ، وهذه عادته رحمه الله في تمسكه بالسنة وجمعه بين أطرافها ورده بعضها إلى بعض على أحسن الوجوه ، وسترى إن شاء الله تعالى في هذا الكتاب في نظائر هذه من مسائل الخلاف وغيرها ، من ذلك ما تقر به عينك ، وتزداد اعتقادا في nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ومذهبه ، فليس الخبر الجملي كالعيان التفصيلي ، وبالله التوفيق .
( فرع ) نقل أصحابنا عن nindex.php?page=showalam&ids=15858داود بن علي الظاهري الأصبهاني رحمه الله مذهبا عجيبا فقالوا : انفرد nindex.php?page=showalam&ids=15858داود بأن قال : لو بال رجل في ماء راكد لم يجز أن يتوضأ هو منه لقوله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=31231لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه } ، وهو حديث صحيح سبق بيانه قال : ويجوز لغيره ; لأنه ليس بنجس عنده ، ولو بال في إناء ، ثم صبه في ماء ، أو بال في شط نهر ، ثم جرى البول إلى النهر قال : يجوز أن يتوضأ هو منه ; لأنه ما بال فيه ، بل في غيره .
قال : ولو تغوط في ماء جاز أن يتوضأ منه ; لأنه تغوط ولم يبل ، وهذا مذهب عجيب وفي غاية الفساد ، فهو أشنع ما نقل عنه إن صح عنه رحمه الله ، وفساده مغن عن الاحتجاج عليه ، ولهذا أعرض جماعة من أصحابنا المعتنين بذكر الخلاف عن الرد عليه بعد حكايتهم مذهبه وقالوا : فساده مغن عن إفساده ، وقد خرق الإجماع في قوله في الغائط ، إذ لم يفرق أحد بينه وبين البول ، ثم فرقه بين البول في نفس الماء والبول في إناء ، ثم يصب في الماء من أعجب الأشياء .
ومن أخصر ما يرد به عليه : أن النبي صلى الله عليه وسلم نبه بالبول على ما في معناه من التغوط وبول غيره كما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال في الفأرة تموت في السمن : { nindex.php?page=hadith&LINKID=12012إن كان جامدا فألقوها وما حولها ، } وأجمعوا : أن [ ص: 170 ] السنور كالفأرة في ذلك ، وغير السمن من الدهن كالسمن ، وفي الصحيح { nindex.php?page=hadith&LINKID=10682إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله } فلو أمر غيره فغسله إن قال nindex.php?page=showalam&ids=15854داود : لا يطهر لكونه ما غسله هو ، خرق الإجماع ، وإن قال : يطهر فقد نظر إلى المعنى وناقض قوله ، والله أعلم