( الشرح ) هذا الحديث رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في صحيحه بهذه الحروف المذكورة ، ومن صحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم نقلته ، وفي نسخ المهذب مخالفة له في بعض الحروف منها أنه في المهذب في أوله أنه كان إذا قام إلى المكتوبة ، والذي في nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وغيره قام إلى الصلاة وهو أعم ، وقوله : وأنا من المسلمين هكذا هو في صحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم من المسلمين وفي المهذب أن لفظة من ليست في الحديث وهذا غلط ، بل ثابتة في nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وغيره وقد رواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي من طرق كثيرة في [ ص: 272 ] بعضها : وأنا من المسلمين ، وفي بعضها : وأنا أول المسلمين ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم : ( رواه أكثرهم وأنا أول المسلمين ) وسقط في المهذب قوله : أنت ربي . ويا ليته نقله من صحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم .
وأما تفسير ألفاظ هذا الحديث فتحتمل جزءا كبيرا لكني أشير إلى مقاصده رمزا ; لأن المصلي مأمور بتدبر الأذكار ، فينبغي أن يعرف معناها ليمكنه تدبر معانيها .
قوله : إذا قام إلى الصلاة يتناول الفرض والنفل ، قوله : وجهت وجهي . قال الأزهري وغيره : معناها أقبلت بوجهي . وقيل قصدت بعبادتي وتوحيدي إليه ، ويجوز في وجهي إليه إسكان الياء وفتحها ، وأكثر القراء على الإسكان . وقوله ( فطر السموات ) أي ابتدأ خلقها على غير مثال سابق ، وجمع السموات دون الأرض وإن كانت سبعا كالسموات ; لأنه أراد جنس الأرضين ، وجمع السموات لشرفها ، وهذا يؤيد المذهب الصحيح المختار الذي عليه الجمهور أن السموات أفضل من الأرضين ، وقيل الأرضون أفضل ; لأنها مستقر الأنبياء ومدفنهم وهو ضعيف .
وقوله ( حنيفا ) قال الأزهري وآخرون : أي مستقيما ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج والأكثرون : الحنيف المائل . ومنه قيل أحنف الرجل ، قالوا : والمراد هنا المائل إلى الحق ، وقيل له ذلك لكثرة مخالفيه وقال أبو عبيد : الحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم وانتصب حنيفا على الحال ، أي وجهت وجهي في حال حنيفيتي ، وقوله ( وما أنا من المشركين ) بيان للحنيف وإيضاح لمعناه ، والمشرك يطلق على كل كافر من عابد وثن أو صنم ، ويهودي ونصراني ومجوسي وزنديق وغيرهم .
وقوله ( إن صلاتي ونسكي ) قال الأزهري : الصلاة اسم جامع للتكبير والقراءة والركوع والسجود والدعاء والتشهد وغيرها . قال : والنسك العبادة ، والناسك الذي يخلص عبادته لله تعالى ، وأصله من النسيكة وهي النقرة الخالصة المذابة المصفاة من كل خلط ، والنسيكة أيضا القربان الذي يتقرب به إلى الله تعالى ، وقيل : النسك ما أمر به الشرع .
وقوله ( ومحياي ومماتي ) أي حياتي ومماتي ، ويجوز فيهما فتح الياء وإسكانها ، والأكثرون على فتح محياي [ ص: 273 ] وإسكان مماتي لله . قال الواحدي وغيره : هذه لام الإضافة ولها معنيان ، الملك كقولك : المال لزيد ، والاستحقاق كالسرج للفرس ، وكلاهما مراد هنا .
وقوله ( لله رب العالمين ) في معنى رب أربعة أقوال حكاها الماوردي وغيره : المالك ، والسيد ، والمدبر ، والمربي . قال : فإن وصف الله تعالى بأنه رب أو مالك أو سيد فهو من صفات الذات ، وإن قيل ; لأنه مدبر خلقه أو مربيهم فهو من صفات فعله ، قال : ومتى أدخلت عليه الألف واللام فهو مختص بالله تعالى دون خلقه ، وإن حذفتها كان مشتركا فتقول : رب العالمين ورب الدار ، وأما العالمون فجمع عالم ، والعالم لا واحد له من لفظه ، واختلف العلماء في حقيقته ، فقال المتكلمون من أصحابنا وغيرهم ، وجماعات من أهل اللغة والمفسرون : العالم كل المخلوقات وقال جماعة : هم الملائكة والإنس والجن . وقيل : هو أربعة أنواع الملائكة والإنس والجن والشياطين قاله أبو عبيدة والفراء وقيل : بنو آدم ، قاله الحسن بن الفضل وأبو معاذ النحوي . وقال آخرون : هو الدنيا وما فيها .
قال الواحدي : اختلفوا في اشتقاق العالم فقيل مشتق من العلامة ; لأن كل مخلوق دلالة وعلامة على وجود صانعه ، فالعالم اسم لجميع المخلوقات ، ودليله استعمال الناس في قولهم العالم محدث ، وهذا قول الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة ودليله من القرآن قوله عز وجل { قال فرعون وما رب العالمين قال : رب السموات والأرض وما بينهما } وقيل مشتق من العلم ، فالعالمون على هذا من يعقل خاصة ، قاله nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس واختاره أبو الهيثم والأزهري لقول الله تعالى { ليكون للعالمين نذيرا } .
قوله " اللهم أنت الملك " قال الأزهري : فيه مذهبان للنحويين ، قال الفراء : أصله يا الله آمنا بخير ، فكثرت في الكلام واختلطت ، فقيل : اللهم وتركت مفتوحة الميم ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14248الخليل : معناه يا الله والميم المشددة عوض عن ياء النداء ، والميم مفتوحة لسكونها وسكون الميم قبلها ولا يجمع بينهما ، فلا يقال : يا اللهم ، وقوله : أنت الملك أي القادر على كل شيء . [ ص: 274 ]
قوله ( وأنا عبدك ) قال الأزهري أي إني لا أعبد غيرك ، والمختار أن معناه أنا معترف بأنك مالكي ومدبري وحكمك نافذ في ، قوله ( ظلمت نفسي ) قال الأزهري : هو اعتراف بالذنب قدمه على سؤال المغفرة كما أخبر الله تعالى عن آدم وحواء عليهما السلام { قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين } قوله ( اهدني لأحسن الأخلاق ) أي أرشدني لصوابها ، ووفقني للتخلق به وسيئها : قبيحها .
قوله ( لبيك ) قال الأزهري وآخرون : معناه أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة ، يقال : لب بالمكان لبا وألب إلبابا أقام به ، وأصل لبيك لبين ، فحذفت النون للإضافة ، وقول ( وسعديك ) قال الأزهري : أي مساعدة لأمرك بعد مساعدة ، ومتابعة بعد متابعة لدينك الذي ارتضيته بعد متابعة . قوله ( والشر ليس إليك ) فيه خمسة أقوال للعلماء :
( أحدها ) معناه لا يتقرب به إليك ، قاله nindex.php?page=showalam&ids=14248الخليل بن أحمد nindex.php?page=showalam&ids=15409والنضر بن شميل nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه nindex.php?page=showalam&ids=17336ويحيى بن معين وأبو بكر بن خزيمة والأزهري وغيرهم .
( والثاني ) حكاه الشيخ أبو حامد عن nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني وقاله أيضا غيره معناه : لا يضاف إليك على انفراده ، فلا يقال : يا خالق القردة والخنازير ، ويا رب الشر ونحو هذا ، وإن كان يقال : يا خالق كل شيء ورب كل شيء ، وحينئذ يدخل الشر في العموم .
( والثالث ) معناه والشر لا يصعد إليك وإنما يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح .
( والرابع ) معناه والشر ليس شرا بالنسبة إليك فإنك خلقته لحكمة بالغة وإنما هو شر بالنسبة إلى المخلوقين .
( والخامس ) حكاه nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي أنه كقوله فلان إلى بني فلان ، وإذا كان عداده فيهم أو صفوه إليهم . قال الشيخ أبو حامد : ولا بد من تأويل [ ص: 275 ] الحديث ; لأنه لا يقول أحد من المسلمين بظاهره ; لأن أهل الحديث يقولون : الخير والشر جميعا الله فاعلهما ولا إحداث للعبد فيهما ، والمعتزلة يقولون : يخلقهما ويخترعهما وليس لله فيهما صنع . ولا يسمع القول بأن الخير من عند الله والشر من نفسك إلا همج العامة ، ولم يقله أحد من أهل العلم لا سني ولا بدعي .
وقوله ( أنا بك وإليك ) أي التجائي وانتمائي إليك وتوفيقي بك . قال الأزهري معناه أعتصم بك وألجأ إليك ، قوله ( تباركت ) استحققت الثناء ، وقيل : ثبت الخير عندك . وقال nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري : تبارك العباد بتوحيدك . والله أعلم .
( أما حكم المسألة ) فيستحب لكل مصل من إمام ومأموم ومنفرد وامرأة وصبي ومسافر ومفترض ومتنفل وقاعد ومضطجع وغيرهم أن يأتي بدعاء الاستفتاح عقب تكبيرة الإحرام ، فلو تركه سهوا أو عمدا حتى شرع في التعوذ لم يعد إليه لفوات محله ولا يتداركه في باقي الركعات لما ذكرناه ، وقال الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد في تعليقه : إذا تركه وشرع في التعوذ يعود إليه من بعد التعوذ ، والمذهب هو الأول وبه قطع المصنف في باب سجود السهو والجمهور ، ونص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم ، ولكن لو خالف فأتى به لم تبطل صلاته ; لأنه ذكر ولا يسجد للسهو [ له ] ، كما لو دعا أو سبح في غير موضعه . قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم : وكذا لو أتى به حيث لا آمره به فلا شيء عليه ولا يقطع ذكر الصلاة في أي حال ذكره . قال البغوي ولو أحرم مسبوق فأمن الإمام عقب إحرامه أمن ثم أتى بالاستفتاح ; لأن التأمين يسير ، ولو أدرك مسبوق الإمام في التشهد الأخير فكبر وقعد فسلم مع أول قعوده قام ولا يأتي بدعاء الاستفتاح لفوات محله . وذكر البغوي وغيره ، قالوا : ولو سلم الإمام قبل قعوده لا يقعد ويأتي بدعاء الاستفتاح . وهذا الذي ذكرناه من استحباب دعاء الاستفتاح لكل مصل يدخل فيها النوافل المرتبة والمطلقة والعيد والكسوف في القيام الأول ، والاستسقاء وغيرها ويستثنى منه موضعان :
( أحدهما ) صلاة الجنازة ، فيها وجهان ذكر المصنف في الجنائز أصحهما عنده وعند الأصحاب : لا يشرع فيها دعاء الاستفتاح ; لأنها مبنية على الاختصار ، والثاني : تستحب كغيرها . [ ص: 276 ]
( الموضع الثاني ) المسبوق إذا أدرك الإمام في غير القيام لا يأتي بدعاء الاستفتاح ، حتى قال الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=14048أبو محمد في التبصرة لو أدرك الإمام رافعا من الاعتدال حين كبر للإحرام لم يأت بدعاء الاستفتاح ، بل يقول : سمع الله لمن حمده ، ربنا لك الحمد ، إلى آخره موافقة للإمام ، وإن أدركه في القيام وعلم أنه يمكنه دعاء الاستفتاح والتعوذ والفاتحة أتى به ، نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم وقاله الأصحاب .
قال الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=14048أبو محمد في التبصرة : ويستحب أن يعجل في قراءته ويقرأ إلى قوله : ( وأنا من المسلمين ) فقط ثم ينصت لقراءة إمامه ، وإن علم أنه لا يمكنه الجمع أو شك لم يأت بدعاء الاستفتاح ولو خالف وأتى به فركع الإمام قبل فراغ الفاتحة فهل يركع معه ويترك بقية الفاتحة أم يتمها وإن تأخر عنه ؟ فيه خلاف مشهور سنوضحه إن شاء الله تعالى حيث ذكره المصنف في صلاة الجماعة ، وإن علم أنه يمكنه أن يأتي ببعض دعاء الافتتاح مع التعوذ والفاتحة ولا يمكنه كله أتى بالممكن نص عليه في الأم . .
أما الاستفتاح فقال باستحبابه جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم ولا يعرف من خالف فيه إلا nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك رحمه الله فقال : لا يأتي بدعاء الاستفتاح ولا بشيء بين القراءة والتكبير أصلا ، بل يقول : الله أكبر ، الحمد لله رب العالمين إلى آخر الفاتحة . واحتج له بحديث " المسيء صلاته " وليس فيه استفتاح ، وقد يحتج له بحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة السابق في فصل التكبير وهو قوله { nindex.php?page=hadith&LINKID=27758كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر رضي الله عنهما يفتتحون الصلاة ب { الحمد لله رب العالمين } } ودليلنا الأحاديث الصحيحة التي ذكرناها ، ولا جواب له عن واحد منها . والجواب عن حديث " المسيء صلاته " ما قدمناه في مسألة رفع اليد ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما علمه الفرائض فقط ، وهذا ليس منها . والجواب عن حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه ما سبق في فصل التكبير أن المراد بفتح القراءة كما في رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، ومعناه أنهم كانوا يقرءون الفاتحة قبل السورة ، وليس المقصود أنه لا يأتي بدعاء الاستفتاح وبينه حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة الذي ذكرناه [ ص: 279 ] هناك ، وكيف كان فليس فيه تصريح بنفي دعاء الاستفتاح ، ولو صرح بنفيه كانت الأحاديث الصحيحة المتظاهرة بإثباته مقدمة ; لأنها زيادة ثقات ولأنها إثبات وهو مقدم على النفي والله أعلم .
وأما ما يستفتح به فقد ذكرنا أنه يستفتح بوجهت وجهي إلى آخره ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب وقال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة وأصحابه وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود يستفتح بسبحانك اللهم إلى آخره ولا يأتي بوجهت وجهي . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف يجمع بينهما ويبدأ بأيهما شاء ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق المروزي والقاضي nindex.php?page=showalam&ids=11976أبي حامد من أصحابنا كما سبق ، قال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر أي ذلك قال أجزأه وأنا إلى حديث : وجهت وجهي أميل ، دليلنا أنا قدمنا أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاستفتاح بسبحانك اللهم شيء وثبت وجهت وجهي فتعين اعتماده والعمل به والله أعلم .