[ ص: 202 ] قال المصنف رحمه الله تعالى باب ما يفسد الماء من الاستعمال وما لا يفسده ( الماء المستعمل ضربان مستعمل في طهارة الحدث ، ومستعمل في طهارة النجس ، فأما المستعمل في طهارة الحدث فينظر فيه . فإن استعمل في رفع الحدث . فهو طاهر ، لأنه ماء طاهر لاقى محلا طاهرا فكان طاهرا ، كما لو غسل به ثوب طاهر ، وهل يجوز به الطهارة أم لا ؟ فيه طريقان : من أصحابنا من قال : فيه قولان ( المنصوص ) أنه لا يجوز لأنه زال عنه إطلاق اسم الماء فصار كما لو تغير بالزعفران ، وروي عنه أنه قال : يجوز الوضوء به لأنه استعمال لم يغير صفة الماء فلم يمنع الوضوء به كما لو غسل به ثوب طاهر ، ومن أصحابنا من لم يثبت هذه الرواية )
( الشرح ) يعني طهارة الحدث الوضوء والغسل ، واجبا كان أو مندوبا كالأغسال المسنونة وتجديد الوضوء والغسلة الثانية ، ثم قسم طهارة الحدث إلى ما رفع حدثا وغيره ، وأما قوله : المنصوص أنه لا يجوز ، فخص هذا بأنه منصوص مع أن هذا الثاني عند هذا القائل منصوص أيضا ثابت عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، فجوابه أنه أراد بالمنصوص المسطور في كتب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وقد استعمل المصنف مثل هذه العبارة في مواضع ، منها في باب الآنية في نجاسة الشعور ، وأما قوله : وروي عنه فيعني روي عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وهذا الراوي هو nindex.php?page=showalam&ids=16739عيسى بن أبان الإمام المشهور . قال الشيخ أبو حامد : نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في جميع كتبه القديمة والجديدة أن المستعمل ليس بطهور ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور : سألت nindex.php?page=showalam&ids=13790أبا عبد الله عن الوضوء به فتوقف فيه وحكى nindex.php?page=showalam&ids=16739عيسى بن أبان أن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أجاز الوضوء به وتكلم عليه . قال nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد : فقال بعض أصحابنا مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه غير طهور ، وقول nindex.php?page=showalam&ids=11956أبي ثور لا ندري من أراد بأبي عبد الله ؟ هل هو nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ؟ أو nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك ؟ أو nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ؟ ولو أراد nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فتوقفه ليس حكما بأنه طهور ، nindex.php?page=showalam&ids=16739وعيسى بن أبان مخالف لنا ، ولا نأخذ مذهبنا عن المخالفين ، وقال بعض الأصحاب : عيسى [ ص: 203 ] ثقة لا يتهم فيما يحكيه ، ففي المسألة قولان . وقال صاحب الحاوي : نصه في كتبه القديمة والجديدة وما نقله جميع أصحابه سماعا ورواية أنه غير طهور . وحكى nindex.php?page=showalam&ids=16739عيسى بن أبان في الخلاف عن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه طهور ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور : سألت nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عنه فتوقف ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=11817أبو إسحاق nindex.php?page=showalam&ids=11975وأبو حامد المروذي : فيه قولان ، وقال ابن سريج nindex.php?page=showalam&ids=12535وأبو علي بن أبي هريرة : ليس بطهور قطعا ، وهذا أصح ، لأن عيسى . وإن كان ثقة . فيحكي ما حكاه أهل الخلاف ، ولم يلق nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فيحكيه سماعا ولا هو منصوص فيأخذه من كتبه ولعله تأول كلامه في نصرة طهارته ردا على nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف فحمله على جواز الطهارة به . وقال المحاملي : قول من رد رواية عيسى ليس بشيء ، لأنه ثقة وإن كان مخالفا ( قلت ) هذا هو الصواب ، وإن في المسألة قولين وبهذا الطريق قطع المصنف في التنبيه والفوراني والمتولي وآخرون ، واتفقوا على أن المذهب الصحيح أنه ليس بطهور ، وعليه التفريع . وأما قول المصنف زال عنه إطلاق اسم الماء ففيه تصريح بأن الماء المستعمل ليس بمطلق وقد سبق الخلاف فيه في أوائل الباب الأول ( فرع ) قد ذكرنا أن المستعمل طاهر عندنا بلا خلاف وليس بمطهر على المذهب وفي المسألتين خلاف للعلماء ، فأما كونه طاهرا فقد قال به nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وجمهور السلف والخلف ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف : نجس وعن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ثلاث روايات ، إحداها رواية nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بن الحسن : طاهر كمذهبنا ، قال صاحب الشامل وغيره : وهو المشهور عنه .
لكن لا يرتضى هذا الجواب ولا الترجيح ، لأن الترجيح إنما يستعمل إذا تعذر الجمع بين الروايتين وليس هو متعذرا هنا بل الجواب المرضي ما اعتمده أصحابنا ، لأنه لا يلزم اشتراك القرينين في الحكم قال الله تعالى : { كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه } فالأكل غير واجب ، والإيتاء واجب . وأجاب [ ص: 205 ] الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد بأن المراد اشتراكهما في منع الوضوء به بعد ذلك ، ونحن نقول به بشرط كون الماء دون قلتين . وجواب آخر وهو أن النهي عن البول والاغتسال فيه ليس لأنه ينجس بمجرد ذلك بل لأنه يقذره ويؤدي إلى تغيره ، ولهذا نص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والأصحاب على كراهة الاغتسال في الماء الراكد وإن كان كثيرا ، وسنوضحه في باب الغسل إن شاء الله تعالى . وعلى الجملة تعلقهم بهذا الحديث وحكمهم بنجاسة الماء به عجب . وأما قياسهم على المزال به نجاسة فجوابه من أوجه أحدها : لا نسلم نجاسته إذا لم يتغير وانفصل وقد طهر المحل . الثاني : إنا حكمنا بنجاسته لملاقاته محلا نجسا بخلاف المستعمل في الحدث . الثالث : أنه انتقلت إليه النجاسة ، والله أعلم .
وأما المسألة الثانية : وهي كونه ليس بمطهر فقال به أيضا nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وهو رواية عن nindex.php?page=showalam&ids=0016867مالك ، ولم يذكر nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر عنه غيرها ، وذهب طوائف إلى أنه مطهر وهو قول الزهري ، nindex.php?page=showalam&ids=0016867ومالك والأوزاعي . في أشهر الروايتين عنهما nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور nindex.php?page=showalam&ids=15858وداود . قال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر وأبي أمامة nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء والحسن nindex.php?page=showalam&ids=17134ومكحول nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي أنهم قالوا فيمن نسي مسح رأسه فوجد في لحيته بللا : يكفيه مسحه بذلك البلل ، قال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : وهذا يدل على أنهم يرون المستعمل مطهرا ، قال : وبه أقول واحتج لهؤلاء بقول الله تعالى : { وأنزلنا من السماء ماء طهورا } والفعول لما يتكرر منه الفعل ، وبما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه : { nindex.php?page=hadith&LINKID=16983توضأ فمسح رأسه بفضل ماء في يده } وفي حديث آخر أنه صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=35126مسح رأسه ببلل لحيته } وعن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=13633اغتسل فنظر لمعة من بدنه لم يصبها الماء فأخذ شعرا من بدنه عليه ماء فأمره على ذلك الموضع } قالوا : ولأنه ماء لاقى طاهرا فبقي كما لو غسل به ثوب ، ولأنه مستعمل فجاز الطهارة به كالمستعمل في تجديد الوضوء ; ولأن ما أدى به الفرض مرة لا يمتنع أن يؤدي به ثانيا كما يجوز للجماعة أن يتيمموا من موضع واحد ، وكما يخرج الطعام في الكفارة ثم يشتريه ويخرجه فيها ثانيا وكما يصلي في الثوب الواحد مرارا [ ص: 206 ] قالوا : ولأنه لو لم تجز الطهارة بالمستعمل لامتنعت الطهارة ; لأنه بمجرد حصوله على العضو يصير مستعملا ، فإذا سال على باقي العضو ينبغي أن لا يرفع الحدث . وهذا متروك بالإجماع فدل أن المستعمل مطهر .
واحتج أصحابنا بحديث الحكم بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=38043نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة } رواه أبو داود والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي وغيرهم قال الترمذي : حديث حسن ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : ليس هو بصحيح . قالوا : ووجه الاستدلال أن المراد بفضل طهورها ما سقط عن أعضائها لأنا اتفقنا نحن والمنازعون على أن الباقي في الإناء مطهر فتعين حمله على الساقط وفي صحة هذا الحديث والاستدلال به هنا نظر وسيأتي بيانه أوضح من هذا في باب الغسل إن شاء الله تعالى حيث ذكره المصنف واحتجوا بحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة السابق مع nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة : { nindex.php?page=hadith&LINKID=31778لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب } قالوا : والمراد نهيه لئلا يصير مستعملا ، وفي هذا الاستدلال نظر لأن المختار والصواب أن المراد بهذا الحديث النهي عن الاغتسال في الدائم وإن كان كثيرا لئلا يقذره وقد يؤدي تكرار ذلك إلى تغيره . واحتجوا بالقياس على المستعمل في إزالة النجاسة ولكن الفرق ظاهر ، وأقرب شيء يحتج به ما احتجوا به قال إمام الحرمين وهو عمدة المذهب أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم احتاجوا في مواطن من أسفارهم الكثيرة إلى الماء ولم يجمعوا المستعمل لاستعماله مرة أخرى . فإن قيل : تركوا الجمع لأنه لا يتجمع منه شيء ، فالجواب أن هذا لا يسلم ، وإن سلم في الوضوء لم يسلم في الغسل .
فإن قيل : لا يلزم من عدم جمعه منع الطهارة به ولهذا لم يجمعوه للشرب والطبخ والعجن والتبرد ونحوها مع جوازها به بالاتفاق ، فالجواب أن ترك جمعه للشرب ونحوه للاستقذار فإن النفوس تعافه في العادة وإن كان طاهرا كما { nindex.php?page=hadith&LINKID=13441استقذر النبي صلى الله عليه وسلم الضب وتركه فقيل أحرام هو ؟ قال : لا ولكني أعافه } وأما الطهارة به ثانية فليس فيها استقذار ، فتركه يدل على امتناعه . ومما احتجوا به أن السلف اختلفوا فيمن وجد من الماء بعض ما يكفيه لطهارته هل يستعمله ثم يتيمم للباقي ؟ أم يتيمم ويتركه ؟ ولم يقل أحد يستعمله ثم يجمعه ثم يستعمله في بقية الأعضاء ، ولو كان مطهرا لقالوه . [ ص: 207 ]
فإن قيل : لأنه لا يتجمع منه شيء فالجواب لا نسلم ذلك بل الحال في ذلك مختلف كما قدمته قريبا . وأما الجواب عن احتجاجهم بالآية فمن وجهين أحدهما : لا نسلم أن فعولا لا يقتضي التكرر مطلقا بل منه ما هو كذلك ومنه غيره وهذا مشهور لأهل العربية والثاني : المراد بطهور : المطهر والصالح للتطهير والمعد لذلك . وأما قولهم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=16983توضأ النبي صلى الله عليه وسلم فمسح رأسه بفضل ماء كان في يده } فهذا الحديث رواه هكذا أبو داود في سننه وإسناده عن nindex.php?page=showalam&ids=13371عبد الله بن محمد بن عقيل عن nindex.php?page=showalam&ids=10718الربيع بنت معوذ رضي الله عنها ، وروى nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وأبو داود وغيرهما عن nindex.php?page=showalam&ids=4804عبد الله بن زيد رضي الله عنه أنه { nindex.php?page=hadith&LINKID=22861رأى النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فذكر صفة الوضوء إلى أن قال : ومسح برأسه بماء غير فضل يديه ، وغسل رجليه } وهذا هو الموافق لروايات الأحاديث الصحيحة في أنه صلى الله عليه وسلم أخذ لرأسه ماء جديدا
( فإذا ثبت هذا ) فالجواب عن الحديث من أوجه ( أحدها ) أنه ضعيف فإن راويه عبد الله بن محمد ضعيف عند الأكثرين ، وإذا كان ضعيفا لم يحتج بروايته ولو لم يخالفه غيره . ولأن هذا الحديث مضطرب عن عبد الله بن محمد قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : قد روى شريك عن عبد الله في هذا الحديث : { nindex.php?page=hadith&LINKID=23296فأخذ الماء جديدا فمسح رأسه مقدمه ومؤخره }
( الجواب الثاني ) لو صح لحمل على أنه أخذ ماء جديدا وصب بعضه ومسح رأسه ببقيته ليكون موافقا لسائر الروايات ، وعلى هذا تأوله nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي على تقدير صحته ( الثالث ) يحتمل أن الفاضل في يده من الغسلة الثالثة لليد ونحن نقول به على الصحيح وكذا في سائر نقل الطهارة .
[ ص: 208 ] وأما قولهم مسح رأسه ببلل لحيته فجوابه من وجهين ( أحدهما ) أنه ضعيف ( والثاني ) حمله على بلل الغسلة ، والثالثة وهو مطهر على الصحيح . وأما قولهم اغتسل وترك لمعة ثم عصر عليها شعرا فجوابه من أوجه ( أحدها ) أنه ضعيف وقد بين nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ثم nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي ضعفه ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : وإنما هو من كلام النخعي ( الثاني ) لو صح لحمل على بلل باق من الغسلة الثالثة ( الثالث ) أن حكم الاستعمال إنما يثبت بعد الانفصال عن العضو ، وهذا لم ينفصل وبدن الجنب كعضو واحد ، ولهذا لا ترتيب فيه . وأما قياسهم على ما غسل به ثوب وعلى تجديد الوضوء فجوابه أنه لم يؤد به فرض ، وأما قياسهم على تيمم الجماعة فجوابه أن المستعمل ما علق بالعضو أو سقط عنه على الأصح ، وأما الباقي بالأرض فغير مستعمل قطعا فليس هو كالماء ، وأما طعام الكفارة فإنما جاز أداء الفرض به مرة أخرى لتجدد عود الملك فيه فنظيره تجدد الكثرة في الماء ببلوغه قلتين ، ونحن نقول به على الصحيح ، وأما الثوب فلم يتغير من صفته شيء فلا يسمى مستعملا بخلاف الماء ، وتغير الصفات مؤثر فيما أدى به الفرض كالعبد يعتقه عن كفارة .
أما قولهم لو لم تجز الطهارة به لامتنعت إلخ . فجوابه إنا لا نحكم بالاستعمال ما دام مترددا على العضو بلا خلاف فلا يؤدي إلى مفسدة ولا حرج والله أعلم وله الحمد والنعمة