( الشرح ) هذه الصور الثلاث متفق عليها كما قاله المصنف ، فإن قيل : كيف جعل الماء ثلاثة أقسام ، ثالثها : أن لا يتيقن طهارة ولا نجاسة ، ومعلوم أن الماء أصله الطهارة فالصورة الثالثة كالأولى وداخلة فيها ؟ فالجواب أن مراده تقسيم الماء بالنسبة إلى حال هذا المتوضئ لا بالنسبة [ ص: 220 ] إلى أصل الماء ، ولهذا المتوضئ ثلاثة أحوال ( أحدها ) أن يكون قد عهد هذا الماء طاهرا وتيقن ذلك بأن اغترفه من ماء كثير لا تغير فيه ثم شك في نجاسته ( الثاني ) أن يكون عهده نجسا وشك في طهارته بأن كان دون قلتين ولاقته نجاسة ثم صب عليه ماء لا يزيد عليه ، وشك هل بلغ قلتين فيطهر أم لا فيبقى نجسا ؟ فالأصل بقاؤه نجسا فيحكم بنجاسته ( الثالث ) ألا يكون له به عهد وشك فيه فالأصل طهارته . ولهذا قال المصنف في الصورة الأولى : " توضأ به " لأن الأصل بقاؤه على الطهارة ، وفي الثالثة " توضأ به " لأن الأصل طهارته ، ولم يقل الأصل بقاؤه على الطهارة لأنه لم يعهده طاهرا لكون أصل الماء الطهارة . والأصل في هذا الباب أعني باب العمل على الأصل وعدم تأثير الشك في المياه والأحداث والثياب والطلاق والإعتاق وغير ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=41748وقد شكي إليه الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال : لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم ، وسيأتي إن شاء الله تعالى في آخر هذا الباب فرع حسن في مسائل تتعلق بهذه القاعدة . وقوله : " الشك في نجاسة الماء والتحري " اعلم أن مراد الفقهاء بالشك في الماء والحدث والنجاسة والصلاة والصوم والطلاق والعتق وغيرها هو التردد بين وجود الشيء وعدمه ، سواء كان الطرفان في التردد سواء أو أحدهما راجحا ، فهذا معناه في استعمال الفقهاء في كتب الفقه . وأما أصحاب الأصول ففرقوا بينهما فقالوا : التردد بين الطرفين إن كان على السواء فهو الشك ، وإلا فالراجح ظن والمرجوح وهم . وأما التحري في الأواني والقبلة وأوقات الصلاة والصوم وغيرها فهو طلب الصواب والتفتيش عن المقصود ، والتحري والاجتهاد والتأخي بمعنى ، قال الأزهري تحريت الشيء وتأخيته إذا قصدته والله أعلم