قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن كان معه إناءان فأخبره رجل أن الكلب ولغ في أحدهما قبل قوله ولم يجتهد لأن الخبر مقدم على الاجتهاد ` كما نقوله في القبلة ، وإن أخبره رجل أنه ولغ في هذا دون ذاك وقال آخر : بل ولغ في ذاك دون هذا حكم بنجاستهما ، لأنه يمكن صدقهما بأن يكون ولغ فيهما في وقتين ، وإن قال أحدهما : ولغ في هذا دون ذاك في وقت معين ، وقال الآخر : بل ولغ في ذاك دون هذا في ذلك الوقت بعينه فهما كالبينتين إذا تعارضتا ، فإن قلنا : إنهما تسقطان سقط خبرهما وجازت الطهارة بهما ، لأنه لم يثبت نجاسة واحد منهما ، وإن قلنا : لا تسقطان أراقهما أو صب أحدهما في الآخر ثم تيمم )
( الشرح ) أما المسألة الأولى وهي إذا أخبره ثقة بولوغ الكلب في أحد الإناءين بعينه فصورتها أن يكون له إناءان يعلم أن الكلب ولغ في أحدهما ولا يعلم عينه كذا صورها الإمام nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في حرملة وكذا نقله عنه المحاملي في كتابيه ، وكذا صورها الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد وآخرون وهو واضح فيجب قبول خبره ويحكم بنجاسة ذلك المعين وطهارة الآخر ، وهذا لا خلاف فيه وحينئذ لا يجوز الاجتهاد وأما المسألة الثانية : وهي إذا أخبره ثقة بولوغه في ذا ، وثقة بولوغه في [ ص: 231 ] ذاك ، فيحكم بنجاستهما بلا خلاف أيضا نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في الأم وحرملة واتفق عليه الأصحاب لما ذكره المصنف من احتمال الولوغ في وقتين ، ومتى أمكن صدق المخبرين الثقتين وجب العمل بخبرهما وأما المسألة الثالثة وهي إذا أخبره ثقة بولوغه في ذا دون ذاك حين بدا حاجب الشمس يوم الخميس مثلا ، فقال الآخر : بل ولغ في ذاك دون ذا في ذلك الوقت ، فقد اختلف الأصحاب فيها فقطع الصيدلاني والبغوي بأنه يجتهد فيهما ويستعمل ما غلب على ظنه طهارته ، ولا يجوز أخذ أحدهما بغير اجتهاد لأن المخبرين اتفقا على نجاسة أحدهما فلا يجوز إلغاء قولهما .
وقطع أصحابنا العراقيون وجمهور الخراسانيين بأن المسألة تبنى على القولين المشهورين في البينتين إذا تعارضتا أصحهما تسقطان ( والثاني ) يستعملان وفي الاستعمال ثلاثة أقوال ( أحدها ) بالقرعة ( والثاني ) بالقسمة ( والثالث ) يوقف حتى يصطلح المتنازعان قالوا : إن قلنا يسقطان سقط خبر الثقتين وبقي الماء على أصل الطهارة ، فيتوضأ بأيهما شاء ، وله أن يتوضأ بهما جميعا ، قالوا لأن تكاذبهما وهن خبرهما ولا يمكن العمل بقولهما للتعارض فسقط ، قالوا : وإن قلنا تستعملان لم يجئ قول القسمة بلا خلاف وامتناعه واضح ، وأما القرعة فقطع الجمهور بأنها لا تجيء أيضا كما قطع به المصنف وحكى صاحب المذهب ( بضم الميم وإسكان الذال ) وجها أنه يقرع ويتوضأ بما اقتضت القرعة طهارته وحكى هذا الوجه صاحب البيان وأشار إليه المحاملي في المجموع فقال : ويمكن الإقراع وهو شاذ ضعيف ، وأما الوقف فقد جزم المصنف بأنه لا يجيء فإنه جزم بأنه على قول الاستعمال يريقهما ووافقه على هذا صاحبه الشاشي صاحب المستظهري وهو شاذ والصحيح الذي عليه الجمهور مجيء الوقف .
وممن صرح به الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد وصاحباه nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب في تعليقه والمحاملي في كتابيه المجموع والتجريد ، والبندنيجي وصاحب الشامل وآخرون من العراقيين وصاحبا التتمة ، والبحر وآخرون من الخراسانيين ، قال nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب وصاحبا الشامل والتتمة وغيرهم : فعلى هذا يتيمم ويصلي ويعيد الصلاة لأنه تيمم [ ص: 232 ] ومعه ماء محكوم بطهارته ، ووجه جريان الوقف أنه ليس هنا ما يمنعه بخلاف القسمة والقرعة . ووجه قول المصنف : ( لا يجيء الوقف ) القياس على من اشتبه عليه إناءان واجتهد وتحير فيهما ، فإنه يريقهما ويصلي بالتيمم بلا إعادة ، لأنه معذور في الإراقة ولم يقولوا بالوقف فكذا هنا . فهذا ما ذكره الأصحاب واختار الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=12795أبو عمرو بن الصلاح أنه يجتهد على جميع أقوال الاستعمال ; لأن قول المخبرين على هذا القول مقبول ، وقد اتفقا على نجاسة أحد الإناءين دون الآخر فيجب العمل بذلك ويميز بالاجتهاد لأنه طريق للتمييز في هذا الباب بخلاف البينتين . وسلك إمام الحرمين طريقة أخرى انفرد بها فقال : إذا تعارض خبراهما وكان أحد المخبرين أوثق وأصدق عنده اعتمده كما إذا تعارض خبران وأحد الروايتين أوثق ، قال فإن استويا فلا تعلق بخبرهما هذا كلام الإمام ومقتضاه أنه إذا كان المخبر في أحد الطرفين أكثر رجح وعمل به وقد ذكر مثله صاحب البحر وهو الصحيح بل الصواب ، وخالف في ذلك صاحب البيان فقال : لا فرق بين أن يستوي المخبرون وبين أن يكون أحد الطرفين أكثر فالحكم واحد .
وهذا الذي قاله ليس بشيء ، وليس هذا من باب الشهادات التي لها نصاب لا تأثير للزيادة عليه فلا يقع فيها ترجيح بزيادة العدد ، بل هو من باب الأخبار التي يترجح فيها بالعدد ودليله أنه يقبل في النجاسة قول الثقة الواحد والعبد والمرأة بلا خلاف ، بخلاف الشهادة . فهذا ما ذكره الأصحاب وحاصله أوجه أرجحها عند الأكثرين أنه يحكم بطهارة الإناءين فيتوضأ بهما ( والثاني ) يحكم بنجاسة أحدهما ويجب الاجتهاد وبه قطع الصيدلاني والبغوي ( والثالث ) يقرع وهو ضعيف أو غلط ( والرابع ) يوقف حتى يتبين ويصلي بالتيمم ويعيد ، وهذه الأوجه إذا استوى المخبران في الثقة ، فإن رجح أحدهما أو زاد العدد عمل به على المذهب كما سبق والله أعلم .
( والثاني ) نجس لأن الكلاب تشتبه وقال صاحب المستظهري : وهذا الوجه ليس بشيء .
( فرع ) أدخل كلب رأسه في إناء وأخرجه ولم يعلم هل ولغ فيه قال صاحب الحاوي وغيره : إن كان فمه يابسا فالماء طاهر بلا خلاف ، وإن كان رطبا فوجهان ( أحدهما ) يحكم بنجاسة الماء لأن الرطوبة دليل ظاهر في ولوغه فصار كالحيوان إذا بال في ماء ثم وجده متغيرا حكم بنجاسته بناء على هذا السبب المعين ، وأصحهما : أن الماء باق على طهارته لأن الطهارة يقين ، والنجاسة مشكوك فيها ، ويحتمل كون الرطوبة من لعابه وليس كمسألة بول الحيوان ، لأن هناك تيقنا حصول النجاسة وهو سبب ظاهر في تغير الماء ، بخلاف هذا والله أعلم .